تجمع الجيوش وموقف الروم

الحروب الصليبية
1098-1204

وقضت المحبة الجامعة التي كانت تتقد في فؤاد أوربانوس بجمع الشمل في القسطنطينية والانطلاق منها لتحرير الكنائس الشرقية وتأمين الحج والمحافظة على حرمة القبر المقدس وسائر الآثار والشعائر المسيحية.

وفي تموز السنة 1096 وصلت إلى البلقان طلائع بطرس الناسك ناهبة مقتلة مخربة. ثم تكاثرت الجموع فتقدموا نحو القسطنطينية. فرحب بهم الفسيلفس اليكسيوس وأكرمهم. واستقبل بطرس الناسك وأوضح له وجوب الانضباط واحترام حقوق السكان. وكانت جموع بطرس قد أقامت خارج أسوار المدينة فعاثوا في الضواحي فساداً وخرقوا حرمة الكنائس. فرأى اليكسيوس أن يجابههم بجيرانه الأتراك عبر البوسفور لعلهم يفقهون. وما أن حطت رحالهم في آسية حتى هاجموا الأتراك فبدد هؤلاء شملهم. فارعووا وكفوا عن القبيح ورضوا أن يعودوا إلى ضواحي القسطنطينية عُزلاً.

وقذف البحر إلى شاطئ ابيروس في صيف هذه السنة نفسها أخا ملك فرنسا هوغ ده فرمندوا. فوقع في أيدي الروم ونقل إلى القسطنطينية. فأحاطه اليكسيوس بشيء كبير من الإكرام والاحترام، ورأى فيه خير وسيط بينه وبين زعماء الصليبيين. وزاد في إكرامه فتعلّق الأمير الفرنسي بالفسيلفس وبايعه على الطاعة والولاء.

ثم جاء في كانون الأولى غودفروا ده بويون. وكان اليكسيوس قد سمع بشجاعته وثرائه فأكرمه. ولكن غودوفروا امتنع عن مبايعة الفسيلفس. فتوترت العلاقات بين الاثنين. ثم قلت المؤونة لدى جموع غودفروا خارج أسوار العاصمة فلجأوا إلى العنف وأرادوا اقتحام أحد مداخل القسطنطينية. فصدَّهم الروم بالقوة وتغلبوا عليهم فأخلدوا إلى السكينة. ودعا اليكسيوس الزعيم الصليبي الممتنع إلى مأدبة في القصر على شرفه. فبايع غودفروا الفسيلفس على الطاعة والولاء مضى في نيسان السنة 1097 بمجموعة إلى آسية.

وأطل بوهيموند النورمندي الإيطالي في ربيع السنة 1097 فأعلن فور وصوله استعداده لمبايعة الفسيلفس وأكد رغبته في التعاون مع الروم إلى أقصى الحدود. وكان بوهيموند قد حارب اليكسيوس في البانيا وفي اليونان فاعتور علاقته مع الروم في بادئ الأمر شيء من الحذر والبرودة. ولكن شخصيته الجذابة ومواهبه الكبيرة ونجاحه في التظاهر بالصدق والإخلاص عاونت على إزالة هذا الحذر وذلك الفتور. وزال الشك وتفاهم الكبيران. فاغتبط بوهيموند وطلب أن يدخل في خدمة الفسيلفس ويتولى قيادة جيوشه. فأجابه اليكسيوس أن كل آتٍ قريب وأنه بانتظار ذلك سيقطعه أراضي فسيحة في منطقة أنطاكية.

وجاء روبير ده فلاندر فدخل في طاعة الفسيلفس. أما ريمون دو سان جيل فإنه وصل مستاء مكدراً غير مستعد للدخول في طاعة الروم. فأقنعه بوهيموند ففعل وأصبح من أخلص أصدقاء اليكسيوس وأشدهم وفاء له. وأعجب اليكسيوس بحكمة هذا القومس واتزانه وصدقه واستقامته. أما تنكريد الصقلي فإنه لم يرضَ أن يمر بالقسطنطينية أو أن يقسم يمين الولاء لسيدها. وأعلن أن هذا القسم لا يفرض عليه إلا نحو سيده بوهيموند.

وتمكن اليكسيوس بصبره ودهائه ولطفه وكرمه من التوصل إلى تفاهم تام مع زعماء الصليبيين. ويرى بعض رجال الاختصاص أن الطرفين وقعا معاهدة في منتصف أيار سنة 1097 قضت بأن يرفع الفسيلفس علم الصليب وأن يضع تحت تصرف الزعماء الصليبيين فرقة محاربة وأن يحمي طريقهم في أثناء مرورهم مقابل دخول هؤلاء في طاعته وإعادة جميع الأراضي البيزنطية إليه التي وقعت بين نيقية وأنطاكية.

وقام الصليبيون من القسطنطينية وحاصروا نيقية. فسقطت في يدهم فأعادوها إلى اليكسيوس الفسيلفس. ثم اتجهوا جنوباً مذللين الصعاب في قلب دولة السلاجقة متعاونين في ذلك مع فرقة بيزنطية بقيادة تتيكيوس Tatikios وجهز اليكسيوس حملة برية بحرية بقيادة يوحنا دوقاس فاستولى على افسس وساردس وأزمير وأضالية. وقام الفسيلفس بنفسه فأخضع جميع بيثينية. وغلب قلج أرسلان وتقوض ملكه واستعاد اليكسيوس قلب آسية الصغرى وشواطئها الغربية. ونفذ كل من الطرفين ما نص عليه الاتفاق وساد الحب والوئام. وقام اليكسيوس على رأس جيش قوى ليلتحق بالصليبيين. ولكن بودوان استأثر بالرها وجهاتها ولم يعدها إلى الفسيلفس.

arArabic
انتقل إلى أعلى