كلمات المسيح السبع على الصليب

أيقونة الصلب

 

الكلمة الثانية: “اليوم تكون معي في الفردوس” (لوقا 23: 43)

أنكر الرسول بطرس سيده علانية، واللص اليمين التائب اعترف به علانية صارخاً: “أذكرني يا رب متى أتيت في ملكوتك”. فكانت استجابة الرب يسوع فورية، إذ قال له: “الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس”(لو42:23 و43). هكذا خلص اللص المغفور له، وكان هو أول من يدخل الفردوس. ولكنه ظل لصاً لأنه سرق الملكوت بنعمة الله بواسطة التوبة ! ويتأمل أحد الروحانيين في ذلك بقول:”اليوم”، أية استجابة فورية هذه ! “تكون معي”. أية رفقة هذه ! “في الفردوس”. أي مكان هذا يا رب “!.

لا يستطيع الإنسان أن يتحمل إبادة ذكراه بالكلية من على وجه الأرض. فالعلامات والنصب التذكارية أو أي أساسات لا يمكنها أن تحفظ ذكرانا من النسيان، فهذه جميعها تصير تراباً. ولكن الشيء الوحيد الذي يحفظ ذكرانا هو إيماننا بأن الله عرفنا قبل أن نولد وأنه سيذكرنا في الأبدية بأكملها ! اتجه اللص المصلوب بحزن عميق في قلبه بسبب خطاياه نحو المخلص طالباً أن يذكره في ملكوته. فقد طلب في آخر لحظة من حياته أن يُذكر، فذكره الرب. لقد وجّه الرب وعده العظيم، ليس إلى ملك أو قديس عظيم، بل إلى لص عدو للناس، هذا الذي علّمنا من التقليد أن اسمه: “ديماس”.

قضت أمرآة حياتها في الخطية، وبينما كانت تُحمل إلى حجرة الطوارئ في المستشفى سألت الممرضة: ” هل تظني أن الله بإنسان مثلي” ؟ فأجابتها: بالطبع، فقد اعتنى باللص اليمين، وبالمرأة الزانية، وبالعشار غير الأمين، وهوة يعتني بالزهور والعصافير. فهو بالتأكيد يعتني بك، ” فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة (لو 12: 7)! بل إن أشعياء النبي يُخبرنا بقول الرب: “هل تنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم أبن بطنها، حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك”(اش15:49).

وقد ذكرنا الرب يسوع، ليس أثناء صلبه فحسب، بل أيضاً في قيامته: “لأني أنا حي فأنتم ستحيون…أنا أمضي لأعد لكم مكاناً… حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً “(يو19:14 و2و3). فالقيامة تعني أنه بعد الموت لن ينسى الله أحداً: “وما لم تر عين…ما أعده الله للذين يحبونه”(1كور9:2)، فهل يوجد ذكر أو ميراث أعظم من ذلك ؟

والسبب في شعور الكثيرين أن الله قد نسيهم، هو أنهم هم قد نسوا الله. فإذا ذكرناه يذكرنا إلى الأبد ويحبنا كأولاده. وإذا اختبرنا هذا الذكر والحب الإلهيين يمكننا أن ننقل هذه الخبرة للذين يشعرون بأنهم منسيون ومحتقرون. ستظل أسماؤنا مكتوبة إلى الأبد في سفر الحياة، ليس بسبب أعمالنا على الأرض، لأنه أية أعمال قدمها اللص حتى ساعة موته على الصليب ؟ كل ما فعله اللص هو إيمانه وتوبته الأخيرين. فذكر الله الأبدي لنا إنما هو عطية نعمته، فكل نفس تائبة تقول: “أذكرني يا رب”، تنال استجابته الفورية: “اليوم تكون معي في الفردوس” !

ألسنا كلنا لصوصاً ؟ ألا نسرق سُمعة الآخرين بالقيل والقال، بل نغتالهم بسيوف ألسنتنا ؟! ألا نسرق الوقت المخصص لله ونضيعه ؟ بل ألا نسرق أنفسنا التي أشتراها المسيح بدمه ونحتفظ بها لأنفسنا ؟! فإن كنا قد تحققنا أننا لسنا أفضل من هذا اللص، فليتنا نتقدم بإتضاع معترفين للرب بالتوبة والأيمان لكي نحصل على معيته في الفردوس ! لقد كانت هذه هي آخر صلاة في حياة هذا اللص، وربما هي الأولى، فقد قرع مرة واحدة وصلى متوسلاً مرة واحدة، وبجرأته هذه ربح السماء !

وماذا لو ذكر الرب كل ما فعلته أنت في حياتك وما تستحقه ؟ حينئذ كيف يمكنك أن تواجه يوم الدينونة ؟! بل فليكن طلبنا: “أذكرني يا رب مهما كنت أنا. أذكرني برحمتك”. ولا بد أنه يستجيب ! لقد تساءل التلاميذ عمّن هو الأعظم فيهم في الملكوت، بل إن يعقوب ويوحنا طلبا مكانين رئيسيين بجوار الرب. أما هذا اللص فلم يطلب سوى مجرد أن يذكره الرب في ملكوته، فأعطاه الفردوس لأنه يعطي “أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر”(اف20:3)! هكذا تشبّهت الكنيسة لهذا اللص وجعلت طلبته هي طلبتنا يوم الجمعة العظيمة، بل كل يوم في قطع الساعة التاسعة !

لقد أعتُبر العنوان الذي وُضع على صليب المسيح: “يسوع الناصري ملك اليهود” سُخرية، لأنه كيف يكون المصلوب بهذه المذلّة والعار ملكاً ؟ ولكن اللص رآه بعين الايمان ملكاً، ولا سيما بعد أن طلب من أبيه السماوي المغفرة لصالبيه. فرغم أن عرشه كان صليب الإعدام والعار، وتاجه إكليلاً من شوك، والمسامير في جسده عوضاً عن قضيب المُلك، وأتباعه هم الغوغاء الساخرة الشامتة، ورغم عُريه، إلا أن اللص قد تعرف على ملك الكون الذي ليس لمُلكه انقضاء. ورغم أن تلاميذ المسيح شكّوا فيه بسبب هذا الموت المُخزي، ألا أن اللص عرف فيه مخلص البشرية وطلب أن يذكره في ملكوته ! لقد كان إيمانه قوياً لأنه تأكد من مجيئه في مُلكه أو ملكوته رغم أنه رأى جسده ممزقاً على الصليب !

وكان وعد الرب فورياً ومباشراً، فلم يعده بنار مطهريه ولا فترة زمنية تمهيدية، بل وعده بالفردوس: ” اليوم” و” تكون معي”. إنه أفضل وعد مُذهل سمعت بع البشرية ! وهو ما سبق أن قاله الرب: “كثيرون أوّلون يكونون آخرين، وآخرون أولين”(مت30:19). وها هو الأخير والأقل من الكل: لص يُعدم، يصير أول الداخلين إلى الفردوس، ومع الرب نفسه. وهذا هو المكان الذي يريده المسيح لنا جميعاً إلى الأبد: “أيها ألآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم”(يو24:17) ! ومن ذا الذي يمكنه أن يعد بالفردوس إلا الله ؟ هذه هي أول مرة يستعمل فيها الرب كلمة “فردوس” في الإنجيل. ولمن ؟ لإنسان خاطئ منبوذ ! والفردوس يبدأ فينا من هنا ويدوم إلى الأبد. وكما في مثال الفعلة، فالذي يعمل ساعة واحدة يحصل على نفس أجرة الذين احتملوا ثقل النهار وحره.

إذا عاش إنسان حياته بدون الله، يتقسى قلبه حتى إن آخر ما يرد على فكره عند موته لا يكون ذكر الله، بل أموره الدنيوية التي كان يهتم بها. لذلك فإن كلمة الله لنا كل حين هي: “هوذا ألان وقت مقبول. هوذا ألان يوم خلاص”(2كور2:6)، فقد طلب شخص من صديقه الشاب الذي يعيش في الخصية أن يتوب فقال له: “لا زال أمامي وقت طويل لكي أفعل ذلك. تذكر اللص على الصليب” ! فقال له صديقه: “أي لص تقصد ؟ لأنه كان هناك لص آخر، هذا الذي لم يبلغ إلى الساعة الحادية عشر فقط” !

ونلاحظ أيضاً أن الرب يسوع مات وهو بين لصيّن. ذلك لان كل حياته كانت لآجل الخطاة، هكذا أيضاً في موته لم ينفصل عنهم. لقد كانت رسالته على الأرض برمتها هي أن يطلب ويخلّص من كان هالكاً ! ” لأن أبن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك”(لو10:19).

arArabic
انتقل إلى أعلى