Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

الخطاب الآخروي:

1 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَامُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: 4 «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟» 5 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 7 فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9 فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10 وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. 11 فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. 12 وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14 فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي. ­لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ­ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 15 وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 16 وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 18 وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. 19 لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20 وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّامَ. 21 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23 فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ.
24 «وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25 وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26 وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27 فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ. 28 فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 30 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 31 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.
32 «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. 33 اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. 34 كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. 36 لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَامًا! 37 وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا».(مرقس 13: 1-37، متى 24: 1-51، لوقا 21: 5-36).

يتضمن الفصل 13 بكامله أقوالاً ليسوع تتعلّق بمصير أورشليم وبنهاية العالم. يدعى عادةً من قبل المفسّرين “الخطاب الاسختولوجي” (أي المختصّ بآخر الآيام) أو “الخطاب الرؤيوي” أو “الرؤيا الموجزة” أو “الرؤيا الصغيرة”. يسبق يسوع ويكلم قبل آلامه تلاميذه عما سيحدث في المستقبل دافعاً إياهم في النهاية إلى السهر. تأتي الصور والتعابير المستعملة من الأدب اليهودي الرؤيوي وكانت معروفة لدى السامعين. أما ما يهمّنا اليوم فهو الرسالة التي تحملها هذه الأقوال والباقية على مرّ العصور حتى لو بدا الشكل الخارجي الرؤيوي عامضاً وغريباً في عصرنا. كما تعبر الوسائل التعبيرية السماء والأرض كذلك تعبر وتتحوّل من عصر غلى عصر. لكن أقوال يسوع “لاتزول” (الأية 31) وتعني هذه الأقوال الموجّهة هنا إلى التلاميذ أن مصير العالم ونهايته هما في يدي الله سيّد التاريخ. ولا يُعطى تحديد زمني لنهاية العالم (كما يحصل في النصوص اليهودية الرؤيوية)، إلا أن يسوع يشدّد فقط على ضرورة السهر المتواصل نظراً إلى النهاية الوشيكة من جهة، ولكنّها تتأخر (“ولكن ليس المنتهى بعد”، الآية 7).

لا نعرف بالضبط إن كان لدينا في هذا الفصل خطاب متواصل ليسوع أم هو تجميع من قبل الإنجيلي (أو من قبل التقليد الذي قبله) لأقوال يسوع في ظروف مختلفة ومتعلّقة كلها بموضوع الآخرة. يميل المفسّرون المعاصرون إلى وجهة النظر الثانية.

يأتي الخطاب الآخروي بمناسبة تعجّب التلاميذ أمام الهيكل (الآيتان 1-2) الذي كانوا خارجين منه مع المعلّم. بينما كان التلاميذ يأخذون مجرّد انطباع عن المشهد الحاضر، يظهر يسوع وينبئ بمشهد المستقبل المؤلم، حين تتهدّم أبنية الهيكل الكبيرة إلى حدّ أنه لن يُترك حجر قائماً. ولا يقدّم هنا يسوع نبوءة محدّدة لحدث سوف يحصل (Vaticinium ex eventu)، لأن عليه عندئذ أن يتكلم عن خراب الهيكل بالحريق الذي تمّ في سنة 70 على يد الرومان.

بعد ذلك يجلس يسوع على جبل الزيتون تجاه الهيكل فيسأله أربعة من تلاميذه المتقدمين، بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس، عن زمن حدوث ذلك كله (“متى”) وما هي “العلامة” التي تسبق ذلك (الآيتان 3-4). هكذا يتسلّم التلاميذ المدعوّون أولاً إلى المهمة الرسولية الإعلانات الأخيرة ليسوع كما يلاحظ غروندمن. والجدير بالملاحظة أن يسوع لم يجب عن سؤال التلاميذ “متى” يكون ذلك، بل انتقل من خراب الهيكل إلى العلامات التي سوف تسبق نهاية العالم. يتكلم عن مسحاء كذبة سوف يخدعون الناس، عن حروب أو أخبار حروب يجب عليهم أن لا يجزعوا منها، عن زلازل، ومجاعات، عن تجارب مختلفة تعترضهم عند قيامهم بالعمل الرسولي. كل ذلك هو “مبتدأ الأوجاع” “ولكن ليس المنتهى بعد” لأنه ينبغي أولاً أن يُكرز بالإنجيل في كل الأمم (الآيات 5-10).

بهذا الكلام يسبق يسوع ويتكلم عن نشاط الكنيسة الرسولي داخل العالم في سبيل تحقيق برنامج العناية الإلهية الخلاصي. فهو يوصي بوضوح بعد قيامته بتنفيذ هذا العمل الرسولي (مرقس 16: 15، متى 28: 19). إن نظرة بعض المفسّرين البروتستانت القائلة بأن يسوع كان ينتظر نهاية العالم العتيدة هي نظرة من جانب واحد، وتتعارض مع الأقوال المفسّرة ههنا. ولكي يتجنبوا المأزق ينسبون ما جاء في الآيات 7 و10 و13 إلى الإنجيلي لا إلى يسوع. طبعاً يتكلم يسوع في كثير من الأحيان عن الدينونة العتيدة لكي يحث المسيحيين على السهر الدائم إلا أنه ينبئ بعمل الكنيسة الرسولي “في جميع الأمم”، الأمر الذي يتطلب فترة زمنية طويلة (أُنظر أمثال الفصل الرابع والتفاسير المتعلقة بها. إن صورة الزرع المستخدمة هناك: الزهر والنعمو والأثمار، تفترض حياةً وتقدماً ومسيرةً، ولا تعبّر عن علاقة جامدة بين الزرع الحاضر والثمار بل عن مسيرة ديناميكية داخل التاريخ).

في الآيات 11-13 يتكلّم أيضاً عن اضطهادات الرسل وتجاربهم “من أجل اسم المسيح” وكذلك عن تقويتهم بالروح القدس الذي يرشدهم إلى كيفية التكلّم في كل ظرف صعب. “الحرب مثلثة الجوانب، يقول فكتور الأنطاكي: من أهل البيت، من المضلّين ومن المحاربين، ولكن التعزية (من الروح القدس) تفوقها كلها”.

في الآيات 14-23 يشير يسوع إلى خراب أورشليم الوشيك ويصفه بطريق مأساوية. وقد سبّبت العبارة “رجاسة الخراب” مناقشات عديدة. فهي آتية من سفر دانيال (9: 27، 11: 31، 12: 11) حيث ترتبط بتدنيس الهيكل على يد أنطوخيوس الرابع ابيفانس ووضع تمثال ديوس فيه (أنظر 1 مكابيين 1: 45….). يسبق يسوع ويقول أن الخراب سوف يبدأ بمثل هذا التدنيس للهيكل. ولكن ماذا يعني بالضبط؟ يذكر بعض المفسّرين اقتراح الأمبراطور كليغولا سنة 40 بعد المسيح بأن يوضع تمثاله في هيكل سليمان الأمر الذي لم يحدث بسبب موته سنة 41 بعد المسيح. البعض الآخر يقول أنه يقصد دخول الغيورين إلى الهيكل عند الثورة اليهودية ضد الرومان ثم مجيء الجيش الروماني وخراب أورشليم؛ والبعض الآخر أن التدنيس يأتي من المسيح الدجال (Antichrist) (الكلمة في النص تشير إلى شخص مذكّر)، ويتكلم غيرهم بصورة عامة عن قوّة الشر الذي يبدأ عمله التخريبي من الهيكل. ومن المميز هنا محاولة ثيوفيلكتوس أن يُعطي تفسيراً “أخلاقياً” للعبارة: “رجاسة الخراب هو كل معنى شيطاني كامن في أي مكان مقدّس، في فكرنا الخاص. حينئذ… ليسرع المعترف إلى جبال الفضائل”.

تدل العبارة “ليفهم القارئ” (“ماذا يقرأ” مضافة في بعض المخطوطات) على أن العبارات السابقة كانت مفهومة عند قارئ الإنجيل أكثر مما هي اليوم. ومن عادة الإنجيليين في العهد الجديد أن يوردوا حالات مختلفة أو أشخاصاً معروفين في وسطهم وغير مفهومة من قبلنا. أما بالنسبة للتعابير القائمة السوداء المستخدمة وللتوصيات (الهرب إلى الجبال، هرب دون تأخر…) فلا توجد فيها أيّة مبالغة. يكفي أن يقرأ الواحد وصف حصار أورشليم وخرابها عند المؤرخ يوسيفوس (الحرب اليهودية، الكتاب الخامس) ليتأكد من تحقق أقوال يسوع. لقد كان خراب أورشليم مرعباً إلى حدّ أنه يُتخذ صورةً لنهاية العالم. وتتشابك الصورتان في أقوال يسوع ويقلم الإنجيلي حتى أننا ننتقل من الواحدة إلى الأخر دون تحديد واضح.

توصف نهاية العالم وحضور ابن الإنسان في الآيات 24-27 بتعابير مأخوذة من أشعيا 13: 10 (يوم الرب)، أشعيا 34: 4، دانيال 7: 13، زخريا 2: 10، تثنية 30: 4. يتضمن الأدب الرؤيوي اليهودي أوصافاً مشابهة كثيرة (أنظر مثلاً 4 عزرا 9: 3، 13: 30، الرؤيا السريانية لباروخ 27: 2-13، 48: 32، 70: 8-9 وغيرها). والعلامات الرئيسة لمثل هذا الوصف ثلاث: تغيّر شكل العالم الحاضر (أنظر الآية 31 السماء والأرض تزولان)، وحضور ابن البشر بقوّة كثيرة ومجد، وجمع “المختارين” من كل الأرض. وإن لم يتكلّم عن دينونة كل العالم، فهذا لا يعني أن المختارين فقط سوف يقومون، إذ يجب أن نكمّل هذه الآيات بما يُقال في أماكن أخرى من الكتاب عن القيامة والدينونة (مثلاً متى 25: 31-46، 1 كور 15، 1 تسا 4: 13-18، وغيرها). ومن ناحية أخرى يجب أن نشير إلى أنه في الفصل 13 يكامله تسود فكرة اهتمام الله بمختاريه (أنظر الآية 11 تقوية الروح القدس، الآية 20 اختصار أيام الشقاء من أجل المختارين.. إلخ).

يُجيب يسوع على الاستيضاحين “متى سيكون ذلك” “وما هي علامة كل ذلك” في سؤال التلاميذ بطريقة تشبه صورة التينة (الآيات 28-30) التي نبتت أوراقها في الشتاء، وتنبت الأوراق من جديد قبل الصيف، ومن ذلك يعرف الواحد مجيء الصيف. هكذا عندما يرى تحقّق تلك العلامات التي ذكرت في الخطاب الآخروي، يفهم إذ ذاك أن النهاية على الأبواب. إن التأكيد أن هذا الجيل لن يزول “حتى يكون هذا كله” (الآية 30) يطرح السؤال إن كانت أقوال يسوع السابقة تشير إلى خراب أورشليم أم إلى الخراب السابق للآخرة؟ يبدّد ثيوفيلكتوس الصعوبة قائلاً إن الجملة “هذا الجيل” تشيل إلى جيل المسيحيين الذي لا يزول من التاريخ حتى نهاية العالم: “ويقصد جيل المسيحيين تعزية للرسل، ولكي لا يفقدوا إيمانهم عندما يسمعون بكل هذه الأحزان يقول لهم تشجعوا لن يزول جيل المؤمنين ولا “يمضي””. والتفسير الأصح، كما أشرنا ساقاً، هو أن خراب أورشليم والدينونة يشكلان وحدة حتى أن يسوع، في كل مرة يذكر الحدث الأول، يكون الحدث الثاني هو المقصود أيضاً.

سوف تتحقق أقواله لأنها ليست أقوالاً بشرية بل أقوال الله المعلن للبشر. هذا ما تؤكد عليه الآية 31 حيث عدم زوال الأقوال الإلهية يقابله تغيّر السماء والأرض وزوالهما.

إن الجواب على سؤال التلاميذ “متى”، الذي هو سؤال كل مسيحي، كامن في الآية 32 جيث يقول أن ذلك اليوم (يوم الرب حسب تعبير العهد القديم) وتلك الساعة، ساعة الدينونة لا يعرفها أحد ولا الملائكة في السماء “حتى ولا الابن” بل الآب وحده. ويُفسر الآباء العبارة “حتى ولا الابن” بالارتباط بطبيعة المسيح البشرية. “لا يقصد عدم معرفة الإله الكلمة، بل عدم معرفة الآخذ صورة عبد، الذي عرف هذا القدر في ذلك الأوان بقدر ما أعلنت له الألوهة الساكنة فيه” (القديس كيرلس الإسكندري). وتفسير القديس باسيليوس هو التالي: لن يعرف الابن ذلك إن لم يُعطَ المعرفة من قبل الآب. ويقول ثيوفيلكتوس أن يسوع يذكر هذه الجملة لكي يتجنب أسئلة إضافية من قبل التلاميذ عن ذلك اليوم.

بدلاً من السؤال الفضولي عن زمن مجيء ذلك اليوم، يحث يسوع تلاميذه على السهر حتى لا يتفاجأوا. يستّمر موضوع السهر إلى نهاية الخطاب الاسختولوجي حيث يشدّد عليه عن طريق مَثَلْ “ربّ البيت الذي يأتي” (الآيات 33-37؛ أنظر لوقا 12: 36-38). إن السهر ضروري لأننا لا نعرف متى يأتي ربّ البيت: أمساء أم نصف الليل أم عند صياح الديك أم صباحاً. من المميّز كيف يفسّر ثيوفيلكتوس المقطع تفسيراً “وجودياً” إذ يقول: “النهاية هي المساء هي الموت عندما تشيخ، في نصف الليل عندما تكون في نصف أيام حياتك، عند صياح الديك عندما يتم فينا كلام الله، في الصباح أي في سنّ الشباب. يجب إذاً على الجميع أن يتحسّب للنهاية”.

الخلاصة:

لا يتوجّه طلب السهر فقط إلى التلاميذ بل إلى كل أعضاء الكنيسة “وما أقوله لكم أقوله للجميع اسهروا”. ينظر يسوع إلى حياة الكنيسة وعملها في العالم في الوقت الذي يتكلم فيه عن انتظار الآخرة. تترابط النظرة الكنسية (Ecclésiologique) والنظرة الاسختولوجية الأخروية (Eschatologique) إلى حدّ أن كل لحظة في مجرى الكنيسة الزمني هي فرصة مؤاتية للعمل الرسولي وللكرازة بالإنجيل في كل الأمم، وفي الوقت نفسه هذه اللحظة هي “الوقت” الذي فيه يمكن أن يأتي فجأة ابن البشر للدينونة. إذاً كل العالم والتاريخ في يديّ الله “ربّ البيت”.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى