09: 14-31 – هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم

14 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ رَأَى جَمْعاً كَثِيراً حَوْلَهُمْ وَكَتَبَةً يُحَاوِرُونَهُمْ. 15 وَلِلْوَقْتِ كُلُّ الْجَمْعِ لَمَّا رَأَوْهُ تَحَيَّرُوا، وَرَكَضُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. 16 فَسَأَلَ الْكَتَبَةَ: «بِمَاذَا تُحَاوِرُونَهُمْ؟» 17 فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَ :«يَا مُعَلِّمُ، قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكَ ابْنِي بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ، 18 وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ. فَقُلْتُ لِتَلاَمِيذِكَ أَنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 19 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ:«أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ!». 20 فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ الرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ. 21 فَسَأَلَ أَبَاهُ:«كَمْ مِنَ الزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هذَا؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ. 22 وَكَثِيراً مَا أَلْقَاهُ فِي النَّارِ وَفِي الْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا». 23 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ». 24 فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ:«أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي». 25 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ الْجَمْعَ يَتَرَاكَضُونَ، انْتَهَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ قَائِلاً لَهُ:«أَيُّهَا الرُّوحُ الأَخْرَسُ الأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: اخْرُجْ مِنْهُ وَلاَ تَدْخُلْهُ أَيْضاً!» 26 فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيداً وَخَرَجَ. فَصَارَ كَمَيْتٍ، حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ: «إِنَّهُ مَاتَ!». 27 فَأَمْسَكَهُ يَسُوعُ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ، فَقَامَ. 28 وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتاً سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ:«لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 29 فَقَالَ لَهُمْ:«هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ». 30 وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ وَاجْتَازُوا الْجَلِيلَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ، 31 لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلاَمِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ:«إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ. وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ».

 

الشرح، عن نشرة رعيتي

تشدّد رواية شفاء الولد الممسوس على الإيمان وأهميته. والحقيقة أن الرواية كلها تدور حول هذا الموضوع. وهي تُفتتح بمجيء والد الصبي إلى يسوع قائلا له إن تلاميذه لم يقدروا أن يشفوه.

في هذا مقابلة بين قدرة يسوع وعجز التلاميذ، ذلك لأنهم، بسبب نقص في إيمانهم، لم يتوصلوا إلى إخراج الروح من الولد. جواب يسوع جاء واضحاً في هذا السياق: “ايها الجيل غير المؤمن، الى متى أكون معكم، حتى متى أحتملكم؟”. يقصد يسوع هنا بالجيل غير المؤمن الناس والتلاميذ معاً. أما موضوع الإيمان فهو أن يسوع عنده سلطان من الله وأنه بهذا السلطان يستطيع أن يخلص البشر. هذا الإيمان، على ما يبدو، لم يكن متوفراً لدى الأشخاص المعنيين، وحتى لدى التلاميذ، الذين، كما نقرأ في مواضع أخرى من الأناجيل، لم يؤمنوا بيسوع المسيح إلا بعد قيامته من بين الأموات. نرى في هذه الرواية كيف أن يسوع يطلب من والد الصبي، بوضوح تام، إيمانا علنياً: “إن استطعتَ أن تؤمن، فكل شيء مستطاع للمؤمن”. أي إن الله يستطيع أن يفعل كل شيء لمن يؤمن. إذا وُجد الإيمان أجاب الله بقدرته.

جواب والد الصبي على طلب يسوع هذا يعبّر تعبيراً واضحاً عن مركزية الإيمان في التعاطي مع يسوع: “إني أومن يا سيد، فأَغِثْ عدم إيماني”. ليس ثمة تناقض في هذه الجملة، وذلك لأن الجزء الثاني منها يعبّر عن إيمان تام. فلو لم يكن لهذا الرجل إيمانا لما طلب من يسوع أن يرحمه بإغاثة عدم إيمانه، أي بأن يُنعم عليه حتى ولم يكن قد أظهر الإيمان المطلوب منه. إيمان الرجل هذا هو الذي جعل يسوع يشفي ابنه.

بعد هذا يجري حوار بين يسوع وبين تلاميذه حول ما حصل. يتوجّه يسوع إلى تلاميذه ويؤكد لهم أنهم بالصلاة والصوم، اي بحركة الإيمان موجهاً نحو الله، يستطيعون أن يقوموا هم بما قام به. وهذا التعليم عن قدرة الصلاة والإيمان نقرأ عنه في الإصحاح 11 من إنجيل مرقس، حيث يوبخ يسوع تلاميذه على عدم إيمانهم لأنهم خافوا من الريح العاصفة وهو معهم في السفينة.

الآية الأخيرة من هذا الفصل الإنجيلي تضع جانباً أساسياً من جوانب الإيمان المسيحي في الواجهة وهو آلام يسوع وموته وقيامته من بين الأموات. والحقيقة أن هذه الأمور تشكّـل ليس فقط جانباً مـن جوانب الإيمان المسيحي، لا بل هي قلبه وجوهره. وضعها الإنجيلي في هذا المكان من الإنجيل حتى لا ينسى القارئ أن يسوع هذا الذي قام بمعجزة الشفاء هو نفسه الذي سوف يتألم ويموت ويقوم من بين الأموات، وأن الإيمان به هكذا هو الذي يجعل الخلاص ممكناً، وكذلك نيل النعمة من الله.

 

الشرح، عن نشرة مطرانية اللاذقية

“هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم”

الحدث، الذي سمعناه من النص الإنجيلي، يرسم لنا مشهداً يومياً من ظروف الحياة الحاضرة. المسيح في مواجهة الإنسان اُلمعذَّب من الشيطان.

ما هو موقف المسيحي الملآن بالحب والإيمان أمام سيطرة هذه العوارض الشيطانية؛ لا على “صبي مصروع”  وحسب بل على مجتمعات وشعوب بكاملها؟.

قد لا نكون نحن المسيحيين أوفر حظاً من “أبي الصبي” آنذاك، بأن نعترف بعجزنا وضعف إيماننا، ونرمي على الرب السؤال ذاته “إن استطعت يا رب شيئاً لدنيانا وآلامنا فتحنن علينا وَأعِنا”.جواب المسيح على موقفنا هذا هو ما أعلنه “لأبي الصبي”. أنَّ المسألة ليست مستعصية، وأنَّ طرد هذا الشيطان ليس أعلى من قدرة التلاميذ ومن اختصاص السيد فقط، ولم تقفل دوننا أبواب العمل من أجل حل مشاكل دهرنا، لكي نلقيها على عاتق الرب فقط. سر الموضوع هو أننا تلاميذ له، لكننا جيل متعَِب وغير محتمل و”غير مؤمن” أو “قليل الإيمان”.

إيماننا غالباً مبني على سطحيات دينية مسيحية. فنحن نعتبر أنفسنا مؤمنين حينما نتمم بعض الواجبات الدينية ولا نقصر في بعض الممارسات الطقسية و”جوهر الدين المعاملة” كما يقال؛ ونشعر أننا أوفينا ربنا حقَّه وتدينا بالمطلوب حين نحافظ على مسلكية حسنة، أو أحياناً نسميها مسيحية؛ لذلك لا نتأخر مرات عديدة عن اعتبار الصلاة مثلا أمراً ثانياً أو ثانوياً وكذلك الصوم ليس حظه بأفضل. “فالدين هو المعاملة” والخلق الحسن هو المهم!

كيف لنا إذن بأن نبسط السلام والجمال فوق بقعة العنف والبشاعة؟ لا يمكننا ذلك بأي شيء إلاَّ بالصلاة والصوم.

إنَّ الصلاة، كما يعرفها القديس يوحنا السلمي، الذي نعيد لتذكاره في الأحد الرابع من الصوم، هي العشرة مع الله. والإنسان دائماً هو كائن تائه وقلق خارج العشرة الإلهية. الصلاة هي مصدر السلام الداخلي ولو كنا وسط اضطرابات الدنيا كّلها. وأي سلام لا يبنى عليها ظاهري وفي باطنه القلق والاضطراب.

والصوم هو الذي يبني فينا النظرة السليمة للجمال في عالمنا، عالم الإباحية الذي يربينا على جماليات الخدعة؛ خدعة العين والطعام واللذة وسواها.

الصوم بالعمق هو التربية السليمة للجمال عند الإنسان. بشاعة العنف لا تمحوها إلاَّ وداعة الصوم.

الصلاة تعطينا السلام الداخلي وتمدنا إلى القريب بسلام وتدفعنا إلى المحتاج كفاعلي سلام. والصوم يعيد لذاتنا جمالها الأصلي فيرى الإنسان جمالاته في السماويات بدل الأرضيات. الصلاة والصوم يطردان العنف الشيطاني وبشاعته.

لأنَّ هذا الجنس لا يمكن أن يخرج من حضاراتنا بشيء إلاَّ بالإيمان المبني على الصلاة والصوم.

arArabic
انتقل إلى أعلى