Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

أ – دوام اتحاد الطبيعتين

أ- هل اعترى وحدة الطبيعتين انفصال في وقت من الأوقات؟
منذ البشارة حتى نهاية الدهور، لا انفصال أبداً بين الطبيعتين. فعلى الصليب فارقت نفس يسوع جسده، ولكن الاتحاد بين اللاهوت والناسوت لم ينفصم (1).

ب- لماذا تجسد الابن لا الآب أو الروح؟
يرى الدمشقي أن البنوة بقيت بعد التجسد، فكان يسوع ابناً لله بلاهوته وصار ابن الإنسان بناسوته، فأبقى هكذا على البنوة (2).

ج- وهل يجوز لنا أن نسجد لطبيعة المسيح البشرية؟
إن الاتحاد الأقنومي كرّم الناسوت واشراكه في مجد الله لذلك نسجد سجدة واحدة للكلمة المتجسد لأن السجود يتوجه إلى أقنوم الكلمة بلاهوته وناسوته دون تفريق (3).

د- وأخيراً، ما هي واسطة الاتحاد بين الطبيعتين؟
يرى القديسان غريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقي من بعد أوريجانس، أن الروح الإنساني هو التخم والرابطة والواسطة بين الله والجسد، وأن الاتحاد بين اللاهوت والجسد تم عبر الروح. فالروح أقرب إلى العقل الإلهي (4).

هـ- ولا بد بعد هذا العرض لإيماننا الأرثوذكسي من لفت النظر مجدداً إلى تنزه المسيحية عن القول بامتزاج الإله والجسد المادي. فنحن ننزه لاهوت المسيح عن الخضوع لأي مؤثر مادي.

ب – خاتمة في الاختلاف الخريستولوجي (5)

ولكن ويا للأسف قام انشقاق مؤلم في الكنيسة فافترقت عن جسم الأرثوذكسية كنائس الأقباط والسريان والأرمن. ولم يهتد الفرقاء المتنازعون إلى وسيطة تطبعها المحبة وروح التفاهم والنقاش الحر المتّاني لإزالة سوء التفاهم. فقاست الكنيسة من جراء ذلك عواقب وخيمة جداً مع أن الخلاف لفظي فقط كما يعترف اليوم جميع الفرقاء.

فالأقباط وزملاؤهم يشجبون أوطيخا شجباً عنيفاً كشجبهم نسطوريوس. ولكنهم تمسكوا بكلام القديس كيرللس الإسكندري تمسكاً حرفياً فصارت عباراتهم تبدو متناقضة حيناً مع الكنائس الخلاقيدونية.

وقد تنبه العلماء في القرن السادس إلى الإلتباس الواقع فأوضحوا أن القديس كيرللس الإسكندري استعمل لفظتين “طبيعة” “physis” و”أقنوم” “hypostasis” كمترادفين. فألمع إلى ذلك الأمبراطور يوستنيانوس (مجموعة المجامع لمانسي 9: 545 ومين 86: 1000)، والمجمع الخامس المسكوني (مجموعة المجامع لمانسي 9: 381).

وأكد ذلك من بعد القديس يوحنا الدمشقي (6)، والأمر كذلك إلى يومنا هذا.

والحقيقة التي تتضح من مؤلفاته هي أن القديس كيرللس استعمل كلمة طبيعة physis بمعنى الجوهر، وكلمة أقنوم hypostasis بمعنى شخص في عقيدته بالثالوث القدوس (7)، كما حدد ذلك نهائياً القديسون الكبادوكيون الثلاثة باسيليوس وأخوه غريغوريوس النيسسي وغريغوريوس اللاهوتي.

إلا أن عقيدته في المسيح اختلفت أحياناً من جهة التعبير. فهو يستعمل أحياناً “طبيعة” وأقنوم hypostasis وشخص prosopon كمترادفات (8).

ويستعمل أحياناً أخرى كما مر في رسالة المصالحة “طبيعة” physis  بالمعنى الذي عناه المجمع الرابع الخلقيدوني وهو المعنى السائد في المدرسة الأنطاكية.

والعبارة التي يتمسك بها بشدة: “طبيعة واحدة لكلمة الله”، نفسها وردت في محل آخر “أقنوم واحد للكلمة” (9).

ويسمي الاتحاد تارةً “إتحاداً طبيعياً أو بحسب الطبيعة” وتارةً “اتحاداً أقنومياً”. هذا فضلاً عن أن مؤلفاً قديماً (10) قد أثبت أن العبارة مأخوذة من كتاب منسوب إلى القديس أثناسيوس بينما هو في الحقيقة من تأليف أبوليناريوس، وقد أخفاه تلامذة أبوليناريوس كما أخفوا غيره تحت أسماء منها القديس أثناسيوس.

وقد أيّد التحقيق المعاصر هذه القضية، فسلّم النقاد جميعاً بأن الكتاب من تأليف أبوليناريوس (11).


(1) أثناسيوس الرسالة الشهيرة إلى ابيكتتوس والنيصصي، الرسالة 16 والدمشقي 3: 27. وتعبر بوضوح عن ذلك إحدى قطع أحد الفصح: “لقد كنت في القبر بالجسد وفي الجحيم بالروح وفي الفردوس مع اللص وعلى العرش مع الآب والروح…”.

(2) الدمشقي 4: 4.

(3) أثناسيوس مين 26: 1073. كيرللس الإسكندري (مين 76: 97 و109 و112 و121 و204 و 1305)، الدمشقي (3: 8).

(4) أوريجانس (في المبدأ 2: 6، 3)، غريغوريوس (الخطبة 45: 9 والرسالة إلى كليدونيوس 10)، أوغسطينوس (الرسالتان 187: 8 و140: 12)، غريغوريوس النيسسي (ضد أبوليناريوس 41)، الدمشقي (3: 6 و18). وبالاماس.

{إن القديس غريغوريوس اللاهوتي لم يكن في الرسالة شارحاً لكيفية التجسّد، ولكنه كان يرد على بدع وهرطقات أبوليناريوس فقال هذا القول.. لذلك لا يجب إخراج قوله من سياقه والذهاب به إلى أبعد ما يقصده القديس غريغوريوس، وهو أن النفس له الدور الأكبر في الطبيعة البشرية. أما كيف؟ فهذا هو سر التقوى-سر التجسد الذي هو فوق الإدراك فضلاً عن الوصف، وهذا هو النص المذكور: [يقولو ن: وماذا عن الجسد – أليس مدانًا؟ عليك إما أن تتخلص من الجسد بسبب خطيته، أو تضيف إليه العقل من أجل خلاصه! إذا كان السيد قد اتخذ العنصر الأدنى “الجسد” ليتقدس بالتجسد، ألن يتخذ العنصر الأعلى “العقل” ليتقدس بالتأنس؟ إذا كان الطين قد تخمر وتشكلت عجينة جديدة، ألا تخمر الصورة وتمزج من جديد مع الله وتقدس بالألوهية؟ وسنضيف أيضا: إذا كنتم تؤمنون أن الجسد قد اُحتقر تماما لأنه يولد الخطية، وحكموا عليه بالهلاك، وأن هذا هو السبب في أن المسيح قد اتخذ جسدا واستبعد العقل، فإن الذين تنبع خطاياهم من عقولهم لهم عذر، حيث أن شهادة الله قد أظهرت بوضوح أنهم غير قابلين للعلاج والشفاء. سأذكر لكم النقطة الأساسية: إنكم تسيئون إلى عقلي بحكم أنكم من “عبدة الجسد” <أنتم تقولون أنني أعبد إنسانًا!> لأنكم تربطون إلها- لا يمكن أن يرتبط بأي شيء آخر- الجسد، وهذا هو السبب في أنكم تنقضون “الحائط المتوسط” ( أفسس 2: 14) بماذا أرد عليكم أنا الذي لست متعلما ولا فيلسوفًا؟ إن العقل يختلط بالعقل حيث أنه أقرب للألوهية وأكثر معرفة بها عن طريق وساطته بين الألوهية. وبدائية وغلاظة الجسد”]

ثم يتابع قائلاً:

[“لا يحتاج ذوو المعرفة لأن نخبرهم أنه في الكتاب المقدس كله يسمى المسيح “الإنسان” و” ابن الإنسان” ومع ذلك، فإذا أصروا على النص “والكلمة صار جسدا وحل بيننا” (يوحنا 1: 14) وجعلوا هذا سبباً لإلغاء أنبل سمة للإنسان بحيث يستطيعون أن يلصقوا الله بالجسد، فقد حان الوقت لأخبرهم أن الله لابد أنه إله الأجساد فقط وليس إله النفوس أيضا بسبب النصوص الكتابية التالية: “إذ أعطيته سلطانًا على كل جسد” (يوحنا 17: 2) ” إليك يأتي كل بشر” (مزمور 65: 2) و” ل يبارك كل بشر اسمه القدوس” ( مزمور 145: 21)، ويقصد بكل بشر كل إنسان. ولابد أن آباؤنا قد ذهبوا إلى مصر في شكل غير جسدي وغير مرئي، وأن نفس يوسف فقط هي التي وضعها فرعون في السجن والقيود، حيث أننا نقرأ أن الذين استدعوا إلى مصر كانوا “خمسة وسبعين نفساً” (أعمال 7: 14) وأيضا “في الحديد دخلت نفسه ” (مزمور 105: 18) بينما النفس لا يمكن أن تكبل بالأغلال إن من يقولون هذا الكلام ويتمسكون بالحرف يجهلون أن الكلمات يمكن استخدامها كصور بلاغية بحيث يدل الجزء على الكل. نقرأ “فراخ الغربان” في (مزمور 147 : 9) وهي تعني جنس الطيور كله، و “الثريا” ( أي 38: 33 ومايليها)، ونجم المساء والدب القطبي مذكورة أيضا، ويقصد بها كل النجوم وترتيبها.”]

وكذلك الأمر بالنسبة للقديس يوحنا الدمشقي إذ يقول:

[“في المسيح يتّحد اللاهوت كله في الناسوت كله. والطبيعة البشرية المتخذة هي على مثال تلك المجبولة أولاً: وعليه نعترف بأنّ طبيعة اللاهوت موجودة كلّها بأكملها في كلّ من أقانيمه، كلّها في الآب وكلّها في الابن وكلّها في الروح القدس. لذلك فإن الآب إله كامل والابن إله كامل والروح القدس إله كامل. وهكذا نقول أيضاً إن في تأنس أحد الثالوث الأقدس كلمة الله، تتحد طل طبيعة اللاهوت الكاملة في أحد أقانيمها بكل الطبيعة البشرية. وليس جزء بجزء. ويقول الرسول الإلهي: “فيه يحلُّ كل ملءِ اللاهوت جسدياً” (كولوسي2: 9) أي في جسده. ويقول ديونيسيوس تلميذه اللابس الله والجزيل المعرفة بالإلهيات: “لقد شاركنا مشاركة كلّية في أحد أقانيمه”. وليس من ضرورة إلى القول بأن جميع الأقانيم -أي الثلاثة- قد اتحدوا بجميع أشخاص البشرية بحسب الأقنوم، أما الآب والروح القدس فلم يشتركا بأي معنى كان في تجسّد كلمة الله سوى بمسرّتهما ورضاهما.

ونقول إنّ جوهر اللاهوت كلَّه قد اتحد بطبيعة الناسوت كلّها، ولم يستثنِ الله الكلمة شيئاً ممّا غرسه في طبيعتنا لمّا جبلنا في البدء، بل اتخذ الكلّ: جسداً ونفساً عاقلةً وناطقةً وكل ميزاتهما. فإن في انتقاص أحدهما حصولاً على حيوان لا إنسان. فإن كلّه قد اتخذني كلّي، وكلّه قد اتحد بي كلّي، كي يُنعِم بالخلاص على الكلّ، لأن لا شفاء لما لم يُتَّخذ.

للعقل الرئاسة في الإنسان: إذاً لقد اتّحد كلمة الله بجسد، بواسطة العقل الذي هو وسط بين صفاء الله وكثافة الجسد، لأن للعقل قيادة النفس والجسد. وصفوة النفس العقل وصفوة العقل الله. وعندما يخضع عقل المسيح للأفضل يُعلن بذلك عن رئاسته الخاصة فينغلب للأفضل ويتبعه ويعمل بما تريد المشيئة الإلهية.

وقد صار عقله في أقنومه، محلَّ اتحاد لاهوته به. ومن الواضح أنّ جسده أيضاً كذلك. ولم تصر مساكنة، كما يضلّ تفكير الهراطقة الخبيث بقولهم: إنّ المُدَّ لا يتَّسع لمدّين، معبِّرين بذلك تعبيراً جسدياً عما هو منزَّه عن المادة. ومن ثم كيف يُقال بأن المسح إله كامل وإنسان كامل، وإنه مساوٍ للآب ولنا في الجوهر، إذا اتّحد فيه جزءٌ من طبيعته الإلهية بجزء من طبيعته البشرية؟”]

نعيد ونذكر، يجب أن نعرف أن كلمة “عقل” المعرّبة تعني “نوس Nous” باليونانية، والتعريب قاصر عن إعطاء الكلمة معناها الحقيقي كما في اللغة اليونانية. وثانياً إن القديسين غريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقي لم يكن شرحهما لكيفية التجسد بقدر ماكان ردّأً على هرطقة أبوليناريوس ومن جرى مجراه. ولذلك لا يجب إخراج النص من سياقه والتحدث عنه كما لو أنهما يحاولان تفسير وشرح سر التجسد الذي هو فوق كل وصف وإدراك، وعلى أبعد تقدير أن يقال هو الواسطة ومع ذلك نبقى في حدود اللإدراك لما جرى لأنه سر عظيم هو سر التقوى الله ظهر بالجسد… وبالنسبة للقديس غريغوريوس النيصصي فواضح من عنوان المرجع كان أيضاً رداً على أبوليناريوس. وأما القديس غريغوريوس بالاماس فهو المدافع الأول والشارح الأبرع عن النسك الهدوئي. ولذلك يندرج قوله (الذي لم نعرف أين قاله) في هذا المجال أيضاً. أما اوريجانوس وأوغسطينوس المغبوط فكلامهما ليس بالضرورة أن يتفق والإيمان الأرثوذكسي، مع عدم تقليلنا لأهميتهما في التراث المسيحي الأرثوذكسي… (الشبكة)}

(5) كما وردت في المقال الرابع لعام 1965 تقريباً.

(6) الإيمان تالأرثوذكسي 3: 11 وهو يستند إلى كتاب “في البدع”: 8. ريشار يقول أنه مكتوب بين 580 و607، والتقي مع ريس على نسبته إلى ثيوذوروس رايثو أي مرفأ الطور على البحر الأحمر (راجع مايندورف ص 116).

(7) مين 76: 332 و336 و401 و77: 232 و241 و245.

(8) مين 77: 116.

(9) مين 77: 45 و48 و17 و76: 120 و332 و400 و404 و405 و75: 1249.

(10) هو يوحنا بيسان (فلسطين) من رجالات القرن السادس. تعقب آثار الأبوليناريين حتى جمع كل كتبهم وتضلّع منها.

(11) إن ليتزمان ناشر مؤلفات أبوليناريوس نشره مع مؤلفات هذا الأخير ومازال العلماء على هذا الرأي حتى يومنا وأخذ به كواستن 3: 206 من الترجمة الفرنسية.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى