أ – المجمعان الأول والثاني
المجمع الأول انعقد في نيقية (تركيا) العام 325 برئاسة افتساتيوس الأنطاكي (على ما يرى محققون معاصرون). وشاهد بطولة الشماس أثناسيوس الإسكندري حامي حمى الأرثوذكسية طيلة 48 سنة بعد ذلك. وهو أسقف الأسكندرية بعد المجمع. والمجمع الثاني المسكوني انعقد في مدينة القسطنطينية في العام 381 برئاسة ملاتيوس الأنطاكي. ثم توفي فخلفه غريغوريوس اللاهوتي. وحضره غريغوريوس النيصصي وشهد لهما المجمع بأنهما قاعدتا الإيمان. وقد خلّفا [المجمعان] لنا دستور الإيمان.
وإن كان معلوماً إلا أننا نورده هنا لكي يكون العرض تاماً:
ب – دستور الإيمان النقاوي
سيرد الدستور وتحديدات المجامع موزعين على فقرات عديدة لسهولة الفهم.
“أؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماء والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى، وبرب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور إله حق من إله حق،
مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر،
الذي به كان كل شيء،
الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس،
وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي وتألم وقبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب،
وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب،
وأيضاً يأتي بمجد ليدين الأحياء والأموات، الذي لا فناء لملكه،
وبالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب الذي هو مع الآب والابن مسجود له وممجد،
النطاق بالأنبياء،
وبكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية،
واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا،
وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي، آمين!”
طبعاً هذه الترجمة ليست سليمة 100% لغوياً. ولكن المعنى واضح. فعبارة “مساوٍ للآب في الجوهر” لا تردّ لطافة اللفظة اليونانية Homoousios. هذه تعني أنه من ذات جوهر الآب الواحد (1). واسم والي فلسطين آنذاك هو بونتيوس بيلاتوس لا بيلاطس البنطي. فاسمه الصغير هو بونتيوس، بينما لفظة “البنطي” تعني أنه من بلاد البنطس على البحر الأسود.
والأصل اليوناني لعبارة انبثاق الروح القدس مأخوذ من إنجيل يوحنا (15: 26). وقد ترجمته الطبعة الكاثوليكية التي نقّحها المرحوم الشيخ ابراهيم اليازجي “الذي من الآب ينبثق”. وهذا التركيب في اليونانية والعربية يحصر الانبثاق في الآب. واستبدلت لفظة “العتيد” بلفظة “الآتي” لأن كثيرين صاروا يستعملونها. وهي أصح لغوياً. وفي اليوناني جاء: “وبكنيسة واحدة قدوسة جامعة رسولية”.
وإن يكن هذا النص مقتضباً جداً فهو خلاصة إقرار إيماننا. فهو يعلمنا: 1- بأن إلهنا هو الآب والابن والروح القدس (غريغوريوس اللاهوتي العظة 45 وسواها). 2- بأن يسوع إله من ذات جوهر الآب وبأنه تجسد وتأنس وتألم وصلب وقبر وقام وصعد إلى السماء لأجلنا ولأجل خلاصنا و…. 3- بأن الكنيسة تدخل في الدستور كبند إيمان. فالدستور مفتتح بلفظة “أؤمن بـ….” وتتبع واو العطف. فالمعنى هو “أؤمن بالآب… وبرب واحد يسوع… وبالروح القدس… وبكنيسة واحدة…” ونستعمل اللفظة بالمفرد لا بالجمع أي نقول “أؤمن” لا “نؤمن”. فالشخص الذي يتلو دستور إيمان يعلن إقرار إيمانه. هو شهادة شخصية تصدر عن كل مؤمن. على الأشهاد، التزاماً شخصياً منه بالحقيقة التي اعتنقها. 4- بأننا نعترف بمعمودية واحدة. 5- بأننا نرجو القيامة والحياة الأبدية.
ج – المجمع المسكوني الثالث
انعقد هذا المجمع برئاسة كيرللس الإسكندري في مدينة أفسس الواقعة على مسافة 40 كيلومتراً من مدينة أزمير في تركيا. وكانت آنذاك قاعدة المنطقة المسماة “آسيا”. حرم المجمع نسطوريوس. ونشأ عنه صراع بين الإسكندرية وأنطاكية وانتهى في النهاية إلى مصالحة على نص لاهوتي كتبه الأنطاكيون المعتدلون ورضي به كيرللس الإسكندري ووافقت عليه دنيا الأرثوذكسية جمعاء شرقاً وغرباً باستثناء المتطفرفين الذين تشنجوا ورفضوا الصلح الواقع وانشقوا عن جسم الكنيسة الجامعة. وهم المعروفون تاريخياً بالنساطرة والمنتشرون اليوم بنسبة محدودة في العراق وسوريا ولبنان وإيران والمهاجر. ولكنهم في الماضي السحيق دللوا على حيوية واسعة فوصلوا إلى الصين وتوسع نفوذهم كثيراً في دولة الأكاسرة الفرس.
والصلح الواقع وصل إلينا في الرسالتين 38 و39 من رسائل كيرللس الإسكندري. وهذا هو النص الذي كتبه الأنطاكيون ووقع عليه كيرللس:
“نعترف إذاً بأن ربنا يسوع المسيح بن الله الوحيد هو إله كامل وإنسان كامل (يتألف) من نفس عاقلة وجسم،
بأنه مولود من قبل الآب قبل الدهور بحسب الألوهة، وبأنه بعينه، في آخر الأزمنة – لأحلنا ولأجل خلاصنا – (مولود) بحسب الناسوت من قبل مريم العذراء بحسب الناسوت.
وهو بعينه مساوٍ للآب في الجوهر بحسب ألوهته ومساوٍ لنا في الجوهر بحسب ناسوته، لأنه من طبيعتين حصل الاتحاد بينهما dyo gar physeon enosis gegone
ولهذا نعترف بمسيح واحد وابن واحد وربّ واحد.
وبحسب هذه الطريقة لتصور الاتحاد المنزه عن الامتزاج (2)، نعترف بأن القديسة العذراء هي أم الله Theotokos، لأن الإله الكلمة تجسد وتأنس وضمّ إلى ذاته منذ الحبل، الهيكل الذي أخذه منها.
وبالنسبة للعبارات الإنجيلية والرسولية المتعلقة بالرب. فإننا نعرف أن اللاهوتيين يعتبرون العبارات التي توحِّد تنصر إلى شخص وحيد، والعبارات التي تُفرِّق تنصرف إلى الطبيعتين: مايليق منها بالله فللمسيح بحسب ألوهته، والأكثر تواضعاً فيه بحسب ناسوته”. (راحع نص الرسالة بتمامه في مجموعة التشريع كما سيجيء).
وقد راعيت في هذه الترجمة وترجمة نص خلقيدونية القرابة بين النصين فوردت العبارات في الترجمة واحدة كما هي في الأصل اليوناني.
ومقارنة عادية بين النصين تدل على أن نص خلقيدونية ازدرد نص المصالحة وأن خلقيدونية تكملة طبيعية للمصالحة ولدستور الإيمان، قد راعت التطورات في الفهم اللاهوتي بين المجمعين.
ونبدي هنا الملاحظة السابقة نفسها حول “المساوي للآب في الجوهر…”. أما “أمّ الله” فهي في اللغة اليونانية لفظة واحدة لا لفظتان. وقد ترجمت الفعل اليوناني الذي عني الاتحاد بالفعل “ضمّ” لفقدان المقابل العربي من فعل اتَّحد. فالمعنى اليوناني موجود بهذا الفعل لا بباقي مشتقات جذره العربي. وفي النص جاء ذكر الاتحاد والفعل المتعدي منه فاستعملت “ضمّ”.
د – المجمع المسكوني الرابع
انعقد المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية قريباً من القسطنطينية في 8 / 1 / 451. وحضر مئات الآباء (630 أباً).
لم يكن الوضع فيه بالهيّن. فالحزازات ضد ديوسقوروس أسقف الإسكندرية قوية جداً وبارزة منذ الجلسة الأولى. فصدر الحكم عليه بالخلع في الجلسة الثالثة في 13 / 10 / 451 (3). ولكن نص الحكم لا يتضمن أبداً أي اتهام لاهوتي. فالخلاف شخصي. والتهم تتعلق بمخالفات قانونية (4). ويؤيد هذا تصريح أناتوليوس أسقف القسطنطينية في جلسة 22 / 10 / 451 من أن الخلاف مع ديوسقوروس ليس خلافاً لاهوتياً.
وفي الجلسة الثانية في 9 / 10 / 451 تليت في المجمع رسالة كيرللس الإسكندري إلى نسطوريوس المتلوة في مجمع أفسس (5) ورسالته إلى يوحنا أسقف أنطاكية التي احتوت نص المصالحة (6) ورسالة لاون بابا روما إلى الى فلافيانوس أسقف القسطنطينية المعروفة باسم طوموس لاون (7). وسط تهليل واسع لكيرللس أولاً ثم للاون وأناتوليوس (8). وفي الجلسة الأولى نوه الحاضرون بكتابات الآباء القديسين غريغوريوس وباسيليوس وأثناسيوس وإيلاريون وأمبروسيوس وكيرللس (9) ثم نوهوا في هذه الجلسة الثانية بالآباء القديسين أثناسيوس وكيرللس وشيلستينوس بابا رومية وإيلاريوس وباسيليوس وغريغوريوس (10).
وفي الجلسة الخامسة أصدر المجمع تحديداً للإيمان (11). بدأه بمقدمة طويلة نوه فيها برسالتي كيرللس إلى نسطوريوس ويوحنا الأنطاكي المعروفة برسالة المصالحة وطوموس لاون وقبوله هذه الوثائق الثلاث (12). وخلص إلى التحديد العقائدي التالي (13):
المجمع الرابع المسكوني المنعقد في خلقيدونية قرب القسطنطينية في العام 451 شجب الأوطيخية وأصدر التحديد التالي المتعلق بالإيمان:
“تبعاً للآباء القديسين نعلم جميعاً بالاجماع معترفين
بالابن الواحد بعينه ربنا يسوع المسيح، الذي هو بعينه تام في ألوهته، وبعينه تام في ناسوته.
الذي بعينه (هو) إله حقاً وإنسان حقاً، (يتألف) من نفس عاقلة وجسم، مساوٍ للآب في الجوهر (14) بحسب ألوهته، وهو بعينه مساوٍ لنا في الجوهر بحسب ناسوته، مشابه لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة،
مولود من قِبل الآب قبل الدهور بحسب الألوهة، وهو بعينه في آخر الأزمنة -لأجلنا ولأجل خلاصنا- مولود بحسب الناسوت من قبل مريم العذراء أم الله.
مسيح واحد بعينه، ابن، رب، ابن وحيد، معروف في طبيعتين بدون امتزاج، بدون استحالة، بدون انقسام، بدون انفصال، بدون أن يزول، بأي وجه من الوجوه -بسبب الاتحاد- فرق الطبيعتين، بل بالأحرى احتفظت كل منهما بكيفية وجودهما الخاصة، والتقت بالأخرى في شخص واحد وأقنوم واحد، (مسيح) غير منشطر أو منقسم إلى شخصين، بل هو الرب يسوع الواحد بعينه، الابن الوحيد، الإله الكلمة،
كما أنبأ عنه الأنبياء قديماً، وكما علمنا إياه يسوع المسيح نفسه، وكما سلمنا إياه دستور الإيمان” (15).
تحليل هذا النص
في القسم التاريخي أوضحنا أن هذا النص معجزة لاهوتية أنقذت العقيدة الأرثوذكسية من التمزق بين تيارات لاهوتية متضاربة. فأي مؤمن يتضلع من تاريخ اللاهوت والعقائد بتقوى الله يصاب بالذهول أمام هذا النص المعجزة المُلهم إلهياً. فما هي خطوطه الكبرى؟
- 1- في البداية والنهاية خرص النص على القول أنه تعليم الأنبياء، والرب يسوع نفسه، ودستور الإيمان الذي وضعه آباء المجمعين الأولى والثاني المسكونيين، والآباء القديسين.
- 2- يعترف آباء المجمع الرابع بهذا التعليم جميعهم بالإجماع.
- 3- وحدة يسوع عنصر بارز جداً جداً في النص:
- أ- ترد عبارة “بعينه” ثماني مرات.
- ب- تتكرر لفظة الواحد بصور شتى كما يلي بالتتالي: (الابن) الواحد، (مسيح) واحد، ابن وحيد، (شخص) واحد، (أقنوم) واحد، (الرب يسوع) الواحد، الابن الوحيد.
- ج- نحن أمام ثماني مرّات من التكرار للفظة “بعينه” وسبع مرات للفظة “الواحد”. هذا “الواحد بعنيه” هو مدار النص كله.
- د- يعطي النص هذا “الواحد بعينه” الأسماء التالية بتكرار أحياناً:
الابن، ربنا يسوع المسيح، مسيح (واحد)، ابن، رب، ابن وحيد، الرب يسوع، الابن الوحيد، الإله الكلمة، يسوع المسيح. - هـ- يركز النص على الوحدة بصورة قاطعة ويستبعد كلياً الثنائية في شخص يسوع التي يقول بها النساطرة لجهة الأقنوم والشخص ويعلن الترادف بين هاتين اللفظتين. جاء فيه: “… في شخص واحد وأقنوم واحد، (مسيح) غير منشطر أو منقسم غلى شخصين، بل… الواحد…”.
وهكذا قضى هذا النص على كل انفصام في شخص يسوع الواحد.
- 4- ومع كونه واحداً لا يقبل الانفصام ولا الانشطار ولا الانقسام، فإنه إله وإنسان معاً.
- أ- هو إله تام في ألوهته. هو إله حقاً لا مجازاً ولا خيالاً.
- ب- ولده الآب قبل كل الدهور. فليس مولوداً في زمان ومكان. ولادته سرمدية تجري خارج الزمن لأنه ليس في الله ماضٍ وحاضر ومستقبل. هو الحاضر سرمدياً أي من الأزل إلى الأبد. لا بداية له ولا نهاية. هو دائماً مولوداً. بالأمس هو مولود. واليوم هو مولود. وغداً هو مولود. وهو مولود بدون أن ينفصل من أحضان الآب السماوي.
- ج- وما دام الآب قد ولده فجوهرهما الإلهي واحد بعينه. فليس الابن أعلى من الآب ولا الآب أعلى من الابن. وحدة في الجوهر بينهما تعني وحدة الألوهة. لدى البشر الابن أصغر عمراً من ابيه. في الثالوث لا يوجد زمان كان فيه الآب بدون الابن والروح القدس.
- د- هذه الولادة هي ولادته بحسب الألوهة.
- هـ- ولكن له ولادة ثانية بحسب البشرية (الناسوت).
بشريتة
- أ- هو إنسان تام في بشريته (ناسوته). هو إنسان حقاً لا رمزاً ولا خيالاً.
- ب- ولدته العذراء مريم لا أزلياً بل لما حان ملء الزمان. فهذه الولادة في الزمن منذ كذا سنوات، في آخر الأزمنة كما جاء في النص.
- ج- وما دامت مريم العذراء قد ولدته فجوهره البشري هو مثل جوهرها. هو مساوٍ لها في الجوهر. ولكن الفرق كبير جداً بين مساواته للآب في الجوهر اللاهوتي ومساواته لنا في الجوهر البشري. جوهره لاهوتياً هو جوهر الآب المشترك بينهما بدون انقسام. أما نحن البشر فأشخاص متعددون منفصلون في الزمان والمكان وطريقة امتلاكنا للطبيعة البشرية. فبولس وبطرس يويوحنا وو… أشخاص. والطبيعة البشرية موجودة في كل منهم على انفراد. كل منهم منفصل عن الآخر. كل منهم يمتلكها بمعزل عن الآخرين. لا أحد منهم يقيم في الآخرين. لذلك لا توجد ملكية مشتركة بينهم للطبيعة. أما في الثالوث فالآب برمته موجود في الابن والروح القدس. وكذلك العكس. وكذل منهم يمتلك كل الطبيعة الإلهية. هي برمتها لكل واحد منهم.
- د- مريم هذ العذراء الدائمة البتولية.
- هـ- ولدت ابناً مشابهاً لنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. فهو ابن العذراء. أخذ منها طبيعة بشرية تامة كالتي نراها في كل فرد من أفراد البشر باستثناء الميل إلى الخطيئة. فقد أخذنا بكليتنا ما عدا الميل إلى الخطيئة. فهو طاهر وكلي الطهارة. له جسد ونفس عاقلة خلافاً لقول أبوليناريوس.
- و- هذا التنازل الإلهي ذو غايات. ما هي؟ إنها “لأجلنا ولأجل خلاصنا”.
- 5- ولكن مع التشديد القاطع على وحدة الشخص والأقنوم والابن والمسيح والرب، يسوع يحوي الإله والإنسان معاً. فما هي الوحدة فيه وما هي الثنايئة؟
- 6- الوحدة هي وحدة الأقنوم أي الشخص.
- 7- الثانئية هي ثنائية الطبيعتين.
- 8- الأقنوم الواحد هو في الطبيعتين. لفظة “في” هامة جداً. استعملها غريغوريوس اللاهوتي أولاً ثم أخذها عنه اللاهوتيون اللاحقون. إنها تغلق الباب أمام القول بوجود الطبيعتين أولاً ثم الاتحاد الأقنومي ثانياً. فالطبيعة البشرية لم تكن موجودة قبل يوم البشارة. الطبيعة الإلهية سرمدية. يوم البشارة أقنوم الابن نحت لنفسه من العذراء طبيعة بشرية. لسنا أمام عملية جمع اثنين موجودين قبل جمعهما. نحن أمام تنازل إلهي. تنازل أقنوم الابن واتخذ من العذراء مريم طبيعة بشرية ضمها إلى أقنومه الإلهي.
- 9- ما لون الاتحاد؟ الله وحده يعلم. استعمل الآباء الملهمون عبارات تنفي عنه وقوع أي اختلاط بين الطبيعتين أو استحالة الألوهة إلى بشرية أو البشرية إلى ألوهة. وهما غير منقسمتين ولا منفصلتني. كلاهما قائم في اتحاد وثيق عجيب.
- 10- كيف يتحد إنسان بالله بدون أن يضغي الله على الإنسان؟
- 11- قال الآباء إن الاتحاد لم يُزِل ولا بوجه من الوجوه فرق الطبيعتين. فبقي الإله إلهاً تاماً والإنسان إنساناً تاماً. احتفظت كل من الطبيعتين بكيفية وجودها الخاصة.
- 12- أين تم اللقاء بينهما إذاً؟
- 13- في شخص يسوع الواحد.
- 14- فالطبيعة الإلهية ليس بشخص. والطبيعة البشرية ليست بشخص. ولكنهما ليستا بلا شخص.
- 15- الشخص الواحد يمتلك كلتا الطبيعتين.
- 16- بهذا قضى الآباء على البلبلة الناتجة عن الألفاظ اللاهوتية. لم يعد سائغاً أن نقول أن ليسوع أقنومين أو شخصين أو أنه يتالف من أقنومين أو شخصين لأن ناستوه لم يكن موجوداً قبل الاتحاد ليكون ذا شخص أو أقنوم. هو أخذ ناسوته يوم البشارة. أخذه بدون أن يكون له اقنوم. إنما ضمه فوراً إلى اقنومه الإلهي فصار أقنومه الإلهي أقنوماً لناسوته منذ قالت مريم للملاك: “فليكن لي بحسب قولك”. أقنوم الناستوت الوحيد هو منذ لحظة التجسد هو أقنوم الابن الوحيد يسوع. فلا اقنوم ولا شخص له غير ذلك لا نظرياً ولا في الواقع.
- 17- يركز النص على عدم الانشطار او الانقسام إلى شخصين. فالشخص لا ينشطر ولا ينقسم. هو كل لا يتجزأ.
- 18- الآباء الإلهيون فرقوا في المعنى بين لفظتي شخص (أو اقنوم) وطبيعة. الشخص أو الأقنوم هو المالك الذي يحوي الجوهر. في يسوع أقنوم واحد يمتلك جوهرين: الإلوهة والبشرية. الأقنوم موجود في كليهما.
- 19- مريم العذراء هي أم الله. كيف ما دامت لم تلد إلا بشرية يسوع؟
- 20- يسوع أخذ منها ناسوتاً. لم تحبل أولاً ثم بعد حبلها ضم مولودها إليه، فكانت غائبة عن مسرح اتحاد الإله بالإنسان. يسوع أخذ منها ناسوتاً ضمه فوراً إلى اقنومه الإلهي. هو الآخذ. هي المأخوذ منها.
- 21- يسوع أقنوم واحد غير منشطر أو منقسم. مريم هي أم هذا الواحد بعينه. بفضل وحدة الأقنوم هي أم ليسوع الإله-الإنسان. جسد يسوع مأخوذ منها. لاهوته صادر عن الآب فقط. ولكنها أم الله يسوع بما أن يسوع واحد لا يتجزّأ أبداً.
- 22- يسوع الواحد مولود سرمدياً ومولود زمنياً. والعذراء أم الله التي أخذ منها ناسوته. لذلك نستطيع أن نقول “صلبوا ربّ المجد”، آلام ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، دم الله، أم الله. فهل يتألم جوهر الألوهة ويقطر دماً؟ لا. إنما بفضل وحدة الأقنوم هذا الكلام صحيح.
ما هي البدع التي قوض هذا النص المُلهم اركانها؟
- أولاً: الأبولينارية إذ قال بأن ليسوع جسداً ونفساً عاقلة.
- ثانياً: النسطورية إذ أصرّ على وحدة أقنوم يسوع وسمى العذراء “أماً لله”، ونفى وجود أي انقسام أو انفصال أو انشطار.
- ثالثاً: الأوطيخية إذ أنكر أي لون من ألوان الامتزاج أو الاستحالة.
- رابعاً: ألوهة يسوع التامة وبشريته التامة، ألوهته حقاً وبشريته حقاً، هذا القول يرفض الأبولينارية وقبلها البدع التي تُنكر اللاهوت كالآريوسية أو التي تنكر حقيقة الناسوت كالدوكيتية القائلة بأن الناسوت مظهر خيالي فقط.
وإذا قارنا النص بدستور الإيمان على ضوء تاريخ العقائد وجدنا أن هذا النص المُلهم قد أوضح معنى الدستور على ضوء ما جد من بدع اقتضت من الكنيسة أن تتدخل لتقول بالروح القدس كلمتها الفصل (16).
من المنتصر الأكبر في هذا المجمع؟ غريغوريوس اللاهوتي وكيرللس الإسكندري والمعتدلون الأنطاكيون ولاون بابا رومية وكل من قال قولهم قبل العام 451 من آباء الكنيسة.
وقد لاحظنا في نهاية الكلام عن المجمع الثالث أن رسالة المصالحة دخلت في نص خلقيدونية. فحتى القرابة اللفظية بينهما واسعة. وما نص خلقيدونية إلا امتداد وتوضيح لرسالة المصالحة (17) وتكريس للاهوت غريغوريوس اللاهوتي إمام القائلين بتطبيق مبادئ لاهوت الثالوث على لاهوت التجسد. فكما نقول ثالوثياً ان الله واحد في ثلاثة أقانيم، نقول تجسدياً يسوع اقنوم واحد في طبيعتين.
وهكذا أنقذ الله الكنيسة الجامعة من الغرق في الأبولينارية وسقطها أي الأوطيخية، ومن الغرق في النسطورية. فما بين الإفراط والتفريط كان طريق الأرثوذكسية تمخضاً عسيراً جداً في الروح القدس لوضع الأمور في نصابها القانوني. أليس تدبيراً إلهياً أن تكون أنطاكية واسعة التمثيل في هذا المجمع (حوالي 100-130 مندوباً) وأن يصدر هذا التشديد الثماني-السباعي على عبارة “الواحد بعينه”؟ ألم يكن هذا التشديد مخلاً لاهوتياً طرد كل أشكال النسطورية من الأرثوذكسية مهما حاول أن يندس المندسون على ما ذكر المؤرخون عن الاندساس؟
هذا فضلاً عن القضاء على بلبلة المصطلحات اللاهوتية.
ومع هذا تعثر طريق هذه المعجزة حتى أواسط القرن التالي. فمن العام 451 إلى العام 532 تفشّت البلبلة اللاهوتية والجدل الحامي الوطيس أحياناً والفاتر أحياناً أخرى. لكن السنوات 532-536 شاهدت نشاطاً لاهوتياً واسعاً في الصف الأرثوذكسي لمع فيه نجم لاونديوس الأورشليمي وأفرام الأنطاكي وانتهى في المجمع الخامس إلى نجاح باهر.
هـ – المجمع المسكوني الخامس
كان نسطوريون قد زوروا مستنداً وأخذوا ينشرونه للدفاع عن ثيودوروس المصيصة ونسطوريوس. وكانوا يستندون غلى كتابات ثيوذوريتوس ضد كيرللس وإلى الرسالة المنسوبة إلى هيباس أسقف الرها المعروفة باسم الرسالة إلى ماريس الفارسي، فشوهوا بذلك سمعة خلقيدونية.
كما أن خطر الأوريجنسية كان قد استفحل لدى رهبان فلسطين.
فانعقد المجمع في العام 553 في القسطنطينية وضرب ضربة “معلم”، التشويش النسطوري والأوريجنسي.
افتتح حكمه بمقدمة مطولة طعن فيها بإسهاب في ثيودوروس واتهمه بالحجود (18). وطعن في كتابات معينة من ثيوذوريتوس وهيباس. وحصر الطعن بها فقط دون التعرض لشخصيهما بسوء (19). بل بالأحرى دافع عنهما ضد الذين يستندون إليهما للدفاع عن ثيودوروس ونسطوريوس والإساءة إلى سمعة مجمع خلقيدونية. فذكر صراحة أن المجمع الرابع المسكوني قد قبلهما بعد أن أعلنا شجبهما للنسطورية وشخص نسطوريوس (20).
البنود المعادية للنسطورية
خص المجمع النسطورية بأربعة عشر بنداً (21). وهي تعرض بإيجاز الإيمان الأرثوذكسي في الثالوث القدوس والتجسد الإلهي بحسب أخر التوضيحات الأرثوذكسية. وهي تكرس في باب الاتحاد الأقنومي أراء لاونديوس الأورشليمي:
- يقتفي أثر خلقيدونية في الإلحاح القاطع على وحدة الشخص الواحد في يسوع، وحدة في طبيعتين متحدتين اتحاداً أقنومياً وثيقاً لا ينفصل. ويبسل كل من يجعل من الطبيعتين شخصين أو اقنومين (3 و5 و7).
- يصر على ما جاء في خلقيدونية لجهة ترادف لفظتين “شخص” و”أقنوم” والتفريق بين معنيي “أقنوم” و”طبيعة” (5 و7 و3).
- يبرز قضية الاتحاد الاقنومي أشد البروز في عدة بنود (4 و5 و7 و8 و13).
- في البند 7 استعمل البعارة التي تدل على أن التفريق بين الطبيعتين مستحيل إلا في نظرة عقلية، في مجال الفكر الصرف theoria.
- ينسب الآلام الطوعية إلى شخص ربنا وإلهنا يسوع (22).
- يستعمل كلمة “جسد” للدلالة على الطبيعة البشرية (2 و3 و4 و5 و6 و7). وسنرى مثل ذلك في المجمع السادس. وهذا يؤيد نقدنا أعلاه لمايندورف وغريلماير.
البنود المعادية لأوريجنيس
شجب المجمع الأوريجنسية في 15 بنداً. وهي تتعلق بأمور مستوحاة من الوثنية اليونانية الفلسفية ومدهونة بطلاء مسيحي (23). وقد طرقنا الموضوع في القسم التاريخي بما يكفي لفهم الموضوع.
و- المجمع المسكوني السادس
انعقد المجمع المسكوني السادس في القسطنطينية في العام 680. للتظر في مسألة القائلين بالمشيئة الواحدة والفعل الواحد. كانت المسألة قد نضجت بفضل نضال صفرونيوس الدمشقي أسقف أورشليم ومكسيموس المعترف الراهب القسطنطيني الشهير الذي جال دنيا المتوسط يفحم القائلين بها شفهياً وخطياً. فترك لنا تراثاً لاهوتياً ثميناً جداً وإن كان عسير الفهم. وسافر إلى رومية فترك خير الأثر على البابا الشهيد مرتيوس. فانعقدت في الغرب المجامع العديدة تدين البدعة. وترأس مرتينوس مجمع لاتران (العام 649) الذي شجبها (24).
يقوم تفكير مكسيموس ووثائق المجمع وتحديده اللاهوتي على موضوع رئيسي ذكرناه في موضع آخر ألا وهو أن الآباء القديسين نسبوا الفعل والمشيئة إلى الطبيعة لا إلى الأقنوم. وما دام يسوع ذا طبيعتين فهو ذو فعلين ومشيئتين وحريتين. وكلها طبيعية. أي أنه ذو فعل إلهي وفعل بشري ومشيئة إلهية ومشيئة بشرية وحرية إلهية وحرية بشرية.
في المجمع وثيقتان رئيسيتان طلب جاورجيوس أسقف القسطنطينية في الجلسة الرابعة في 15 / 11 / 680 تلاوتهما (25). وهما رسالة البابا أغاثون إلى الأمبراطور (26) ورسالة مجمع الأساقفة الغربيين الـ 125 إليه. فوافق عليها جاورجيوس (27) ومعاونوه من الأساقفة في الجلسة 8.
وكلاهما على ما يرى في الأصل اليوناني دراسة لاهوتية مستفيضة جداً من الآباء القديسين. ولم يورد المترجم العربي إلا نبذاً فقط من أقوالهم وأهمل الباقي (الأصل في المجلد 11 من مانسي أو 6 من لابيه).
ويدور الموضوع على العقيدة وما حددته المجامع السابقة. وقبل إيراد التحديد العقائدي الخاص بالمجمع السادس نبدي الملاحظات التالية:
- البابا أغاثون يحترم المجمع الخامس كسلفه الشهيد مرتينوس. ذكره مرتين (28). وأورد البند 7 منه المتعلق بالتفريق الفكري فقط بين الطبيعتين (29). واستعمل عبارة “الاتحاد الأقنومي” في الشخص الواحد مرتين (30). وهي عبارات كرسها المجمع الخامس كما مرّ.
- في رسالة الأساقفة استعمل الأساقفة اللفظة الخاصة بالتفريق الفكري بين الطبيعتين فقال المترجم: “ولا ندرك غلا بالتأمل الفرق بين الطبيعتين…” (31).
- التحديد المجمعي ذكر المجمع الخامس مرتين (32).
- في رسالة أغاثون جاء تكراراً عن طبيعة يسوع البشرية أنها تألهت (33) والمجمع قال أن جسده تأله ومشيئته تألهت (34). فأفكار التأله اللاهوتية لم تكن، إذاً، غريبة عن روما في ذلك التاريخ. ألم يترك فيها مكسيموس المعترف المهندس الأخير والأكبر في القرن السادس لهذا التفكير اللاهوتي بصمات فكره الديناميكي؟
- ترد لفظة “جسد” بمعنى الطبيعة البشرية كلها في رسالة الأساقفة وفي تحديد المجمع (35).
وفي الجلسة الثامنة عشرة في 16 / 9 / 681 أصدر المجمع تحديداً مطولاً (36). ذكر فيه الهراطقة وشجبهم. وأورد نص دستور الإيمان. ذكر رسالتي أغاثون ومجمعه (المؤلف من 125 أسقفاً) إلى الأمبراطور. أورد نص تحديد خلقيدونية وتممه رأساً بما يلي:
“ونجاهر، بالمثل، بحسب رأي الآباء القديسين (بأنه موجود) فيه مشيئتان أو إرادتان طبيعيتان. وفعلان طبيعيان بدون انقسام، بدون استحالة، بدون انفصال، بدون انشطار (ونجاهر) بإرادتين (له) طبيعيتين غير متضادتين -لا كان ذلك- كما قال الهراطقة غير الأتقياء، ولكن إرادته الإنسانية مطيعة وغير مقاومة وغير ثائرة بل بالأحرى خاضعة للمشيئة الإلهية والكلية القدرة.
فكان على مشيئة الجسد أن تتحرك ولكن أن تخضع للإرادة الإلهية على ماقال أثناسيوس الكلي الحكمة” (37).
ويتابع التحديد على نفس الوتيرة. زيادة في الإيضاح وتبيان تبادل الصفات بين طبيعتي يسوع ونسبة ما هو إلهي وماهو جسدي للشخص الواحد (38).
وقد راعينا في الترجمة الدقة والقرابة اللغوية من تحديد المجمع الرابع المسكوني فترجمنا للفظة اليونانية الواحدة بمقابل عربي واحد.
ونلاحظ على النص ما يلي:
- يسند الأمر هنا كما في خلقيدونية إلى الآباء القديسين ويختص بالذكر منهم أثناسيوس. ثم يعود في تكملة النص إلى ذكر غريغوريوس ولاون وكيرللس.
- يركز النص على نسبة المشيئة والفعل إلى الطبيعة. فما دام يسوع ذا طبيعتين فهو ذو مشيئتين طبيعتين وفعلين طبيعيين.
- الفعلان والمشيئتان لا يتعاكسان. لا يصطدمان. مشيئة الجسد تتحرك ولكن باتفاق تام مع المشيئة الإلهية الكلية القدرة وبخضوع لها.
- يكرر أوصاف الاتحاد الواردة في خلقيدونية وإن لم يحافظ على الترتيب نفسه واستبدل لفظة بلفظة أخرى وردت في النص هي لفظة “بدون انشطار” بدلاً من “بدون انقسام”. (39)
(1) لوسكي، على الصورة والمثال، ص 132.
(2) اللفظة نفسها ترد في تحديد خلقيدونية “بدون امتزاج”. وإنما وردت هنا “المنزّه عن الامتزاج” للضرورة اللغوية في العربية.
(3) راجع: المجمع المسكوني الرابع – مجمع خلقيدونية… (الشبكة)
(4) مجموعة التشريع، ص 392-393.
(5) مجموعة التشريع، ص 295-297.
(6) مجموعة التشريع، ص 380-383.
(7) مجموعة التشريع، ص 384-390.
(8) مجموعة التشريع، ص 384.
(9) مجموعة التشريع، ص 377.
(10) مجموعة التشريع، ص 379.
(11) مجموعة التشريع، ص 395-397.
(12) مجموعة التشريع، ص 396.
(13) لم أعتمد على ترجمات مجموعة التشريع ففيها هنات. وبعض آرائها قديم وقد شاخ.
(14) العبارة المستعملة عربياً في دستور الإيمان “المساو]ٍ للآب في الجوهر” لا ترد دقة اللفظة اليونانية homoousios التي تعني أن جوهرهما واحد.
(15) إن التعليم بتمام اللاهوت وتمام الناسوت مع تمييز الطبيعتين في وحدة الشخص أو الأقنوم قديم قدم الكنيسة. وإذا نقص الوضوح أحياناً وفقد الصيغ القاطعة فلأن الكنيسة كانت تفعل ذلك رويداً رويداً، وغالباً لحاجات التبشير والتعليم وصد هجمات الهرطقات. وفي القرن الرابع اضطر أبطال الإيمان لمواجهة الآريوسية وسواها فجزموا بمساواة الابن والآب واضطروا غلى توضيح عقيدة التجسد. وإليكم ما عثرنا عليه من آباء الكنيسة: أغناطيوس الأنطاكي المتوفي عام 107 (إلى الأفسسيين 7: 2 و20: 2 [النص على التوالي: “يوجد طبيب واحد هو في الوقت نفسه إله وإنسان” و”ولا سيما إذا ما أراني الرب أنكم -افراداً وجماعات- تلتئمون بالنعمة التي لكم باسمه في إيمان واحد بيسوع المسيح الذي من نسل داود حسب الجسد؛ ابن الإنسان وابن الله؛ وذلك لتطيعوا الأسقف ولفيف القساوسة في الوئام بدون خصام؛ وتكسروا خبراً واحداً، هو دواء الخلود، وترياق لكي لا نموت، فنحيا إلى الأب في يسوع المسيح”… (الشبكة)] وإلى بوليكاربوس 3: 2)، ايريناوس (ضد الهرطقات 3/ 18: 7)، ابيوليتوس (ضد نوتيوس 17 ومين 10: 870)، ترتليانوس (ضد براكسياس 27)، بطرس بطريرك الإسكندرية (مين 18/ 509 و512 و521)، أثناسيوس الكبير (رسالته الشهيرة إلى ابيكتوس المعتمدة في المجمع الرابع 5 و 7 مين 26/ 1256 و1257)، إيلاريون (في الثالوث 2: 25 و9: 3 و11 و14 و39) ديديموس المصري الأعمى (في الثالوث 3: 2 و6 و12 و13 و21 و27 وفي الروح القدس 52)، أفرام السرياني (1: 177 من طبعة السمعاني و1: 353 و475 من طبعة لامي)، وباسيليوس الكبير (الرسالة 261: 2)، وغريغوريوس اللاهوتي (رسالتاه 101 و102 إلى كلودونيوس المعتمدتان في المجمعين الثالث والرابع 32 و41)، أبيفانيوس (مين 43: 75 و116-117) الذهبي الفم (الميمران 11: 2 و3: 1 و2 على إنجيل يوحنا)، أمفيلوشيوس (مين 39: المقطع 9 وأيضاً 2 و7 و11)، أمبروسيوس (الإيمان المسيحي 4، 12: 164-165 و5، 8 104-108 و3، 8: 54-55 و2، 7: 53، سر تجسد الرب 63-78 خاصة 68)، ايرونيموس (على غلاطية 1: 1 ويوحنا 3: 6 والدفاع ضد روفنيوس 2: 4)، أوغسطين (الرسالة 187 والميمران 186 و293)، كيرللس الإسكندري (مين 73: 205 و74: 89 و 629 و 936 و75: 273 و425 و1325 و76: 164 و627 و1365 و77: 45 و109 و112 و120-121 و179 و232). ويرى كواستن أن المجمع الرابع وفق بين التعبير الأنطاكي الواضح وبين تفكير القديس كيرللس العميق (3: 206) وقد وردت عبارة الاتحاد “بدون استحالة” لدى ديديموس الأعمى وكيرللس الإسكندري. وأوضح الأول أن الطبيعتين لم تمتزجا فتؤلفا طبيعة ثالثة. وسيرد معنا الفرق بين الأقنوم الذي تألف من الإله والإنسان [يقصد الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية كما يتضح من سياق الكتاب كله… (الشبكة)] وبين امتزاج الطبيعتين، وكيف أن الأقنوم يقبل التأليف بينما تمتزج الطبيعتين.
(16) هنا لا بد أن نذكر كلمة قالها الأب الدكتور ديمتريوس شربك راعي كنيسة صافيتا في إحدى محاضراته: إن نص إيمان خلقيدونية كان هو الركيزة التي قوضت كل البدع والهرطقات السابقة واللاحقة. اللاحقة اي بدعة المشيئة الواحدة والفعل الواحد، وبدعة محاربة الأيقونات… (الشبكة)
(17) {يقول الأنبا المتنيح غريغوريوس أسقف البحث العلمي في الكنيسة القطبية:
[على أن ذلك الاتحاد لم يكن مُرضياً لكل من الفريقين، وذهب بعض أتباع كيرلس إلى أنه قد أقر الأخطاء النسطورية وأخرون أساءوا فهم المصطلحات والتعبيرات التي عبّر بها كيرلس، ولكن آخرين ذهبوا أبعد من هذا، فأنكروا صراحة التعليم الذي علّم به كيرلس… (ص 192-193، 1-اللاهوت المقارن، موسوعة الأنبا غريغوريوس).]
من هذا التصريح للأنبا غريغوريوس نستطيع أن نفهم ما قاله الأب ف. سي. صموئيل في كتابه “مجمع خلقيدونية – إعادة فحص، ص 378” مُلخصاً تفنيد ورأي ساويروس الأنطاكي في رسالة المصالحة، إذ يقول:
[وماذا إذاً عن صيغة إعادة الوحدة عام 433م، والتي اعترف فيها البابا كيرلس بتعبير “طبيعتين”؟ ألا يُعد هذا الموقف تغييراً عن التقليد الراسخ الذي أشار إليه ساويروس؟
لقد اهتم البطريرك ساويروس في إجابته على هذه النقطة بالسياق التاريخي لتلك الوثيقة بالإضافة إلى المعنى الفعلي للفقرة موضع التساؤل التي ورد فيها ذلك التعبير. وقد اكد البطريرك ساويروس أن صيغة الوحدة عام 433 م كانت قد وضعت في ظروف وجود شقاق في الكنيسة، وكان هذا الشقاق نفسه نتيجة عدم استطاعة الجانب الأنطاكي فهم الإيمان على نحو سليم. وفي هذا السياق ومن أجل استعادة الومحدة في الكنيسة، وبالتالي مساعدة الأنطاكيين لكي يتدركوا تدريجياً التقليد الآباء في تفسير العقيدة، قام ق. كيرلس، كطبيب حكيم، بقبول الوثيقة التي أُرسلت إليه من يوحنا الأنطاكي. وكانت تلك الوثيقة هي التي تحوي العبارة محل السؤال، والتي أيدها البابا كيرلس من أجل السلام داخل الكنيسة.]
إن ساويروس الأنطاكي من خلال هذا الكلام يبدو أنه من جماعة الذين أنكروا صراحة التعليم الذي علّمه القديس كيرللس. ويزيد بالقول، بما معناه، أن القديس كيرللس من أجل وحدة الكنيسة أدخل عقائد خاطئة. أي يتهمه بشكل مُبطن بالهرطقة.
ونحن نعرف من خلال قراءة سيرة القديس كيرللس، أنه لم يكن من النوع الذي يساوم على العقائد أو يتنازل عن التعليم القويم. وخاصةً لو عرفنا أن الكنيسة بعد المصالحة دخلت في مرحلة أخرى من الانشقاقات. وهي انشقاقات أنطاكية أنطاكية واسكندرية اسكندرية. واضطر القديس كيرلس أن يدافع عن إيمانه ضد الذين رفضوا المصالحة مع أنطاكية.
فخلاصة القول الذي يُفهم من ساويروس الأنطاكي، إن القديس كيرلس أفسد العقيدة عندما وافق على نص الرسالة من أجل وحدة الكنيسة.
وهذا نفهمه أكثر و يتضح جلياً عندما نقرأ النص التالي لساويروس الأنطاكي نقلاً عن موقع أرثوذكس أينفو:
“The formulae used by the Holy Fathers concerning two Natures united in Christ should be set aside, even if they be Cyril’s” [Patrologia Graeca, Vol. LXXXIX, Col. 103D. Saint Anastasios of Sinai preserves this quote of Severos in his works; quoted in The Non-Chalcedonian Heretics, p. 12].
ونص الترجمة: “إن العقيدة التي حددها الآباء القديسون بوجود طبيعتين متحدتين في المسيح يجب أن تُطرح جانباً، حتى لو كانت لكيرلس!!”
وهنا نرى أن نقتبس ماقاله البطريرك تيموثاوس خليفة البطريرك ديسقوروس في الكنيسة القبطية، أيضاً نقلاً عن موقع أرثوذكس أينفو:
Timothy Ailouros (another Monophysite “saint”) condemns Saint Cyril on account of the agreements:
“Cyril… having excellently articulated the wise proclamation of Orthodoxy, showed himself to be fickle and is to be censured for teaching contrary doctrine: after previously proposing that we should speak of one nature of God the Word, he destroyed the dogma that he had formulated and is caught professing two Natures of Christ” [Timothy Ailouros, “Epistles to Kalonymos,” Patrologia Graeca, Vol LXXXVI, Col. 276; quoted in The Non Chalcedonian Heretics, p. 13].
وملخص الترجمة: “كيرلس، شرح بدقة و بلاغة العقيدة الأورثوذكسية… و لكن بعد أن صار علينا أن نتكلم عن طبيعة واحدة لله الكلمة، فإن كيرلس بعد ذلك دمر العقيدة التي قام هو بصياغتها و رأيناه يعترف بطبيعتين في المسيح!”.
وقبل أن نختم هذه الفقرة، نود أن نذكر ما قاله الشماس اسبيرو في كتاب سألتني فأجبتك، الطبعة الأولى، 2005: يوحنا أنطاكية وزّع رسالة كيرلس على العالم المسيحي فقبلها الناس إلا نفراً صغيراً. حقوقياً استعمال كيرلس لعبارة الأقنوم الواحد والطبيعتين هو تراجع عن استعماله لعبارة الطبيعة الواحدة. الكلام الختامي هو الكلام الأخير الذي يلغي ما قبله. روما والقسطنطينية وأنطاكية قبلت رسالة كيرلس… للمزيد راجع بين أفسس، واللصوصي، وخلقيدونية.. للشماس اسبيرو جبور.}… (الشبكة)
(18) مجموعة التشريع، ص 458-466 و471-472.
(19) مجموعة التشريع، ص 463 و464.
(20) مجموعة التشريع، ص 463 و464 و472.
(21) مجموعة التشريع، ص 467-472.
(22) مجموعة التشريع، ص 469 إلا أن الترجمة غامضة كلياً ولا ترد المعنى أبداً. قال المترجم: “… الاختلاف بين طبيعتيه بأسلوب مجرد”. وقد أتينا على ذكر المسألة تاريخياً من قبل. ووردت العبارة في المجمع السادس كما سيجيء.
(23) مجموعة التشريع، ص 475-477. إت الترجمة غير دقيقة لأن الموضوع يتطلب إطلاعاً على المسألة فلسفياً ولاهوتياً وعلى الدراسات المعاصرة. والمترجم يورد نبذة عن أوريجنس من مكراكيس وبطرس قندلفت (479) بينما ظهر بعدها مكتبة على أوريجنيس وتأثيره عبر التاريخ.
(24) التفاصيل المطولة في فليش وهيفليه-لوكلير.
(25) مجموعة التشريع، ص 492.
(26) مجموعة التشريع، ص 493-507.
(27) مجموعة التشريع، ص 509-510.
(28) مجموعة التشريع، ص 495 و501.
(29) مجموعة التشريع، ص 501 وذكره قبلاً (ص 495 حيث استعمل المترجم لفظة “فهم” الغامضة).
(30) مجموعة التشريع، ص 503 و505.
(31) مجموعة التشريع، ص 508 كل ذلك أدلة تدعم رأي مايندورف (ص 113) ضد بعض العلماء الغربيين المعاصرين الطاعنين في المجمع الخامس.
(32) مجموعة التشريع، ص 512 و513.
(33) مجموعة التشريع، ص 501-502.
(34) مجموعة التشريع، ص 514.
(35) مجموعة التشريع، ص 508 و514.
(36) مجموعة التشريع، ص 511-515.
(37) يردد كيرللس الإسكندري صدى للمقطع الأخير في مين 74: 89 و75: 425، والآباء الذين تحدثوا عن الطبيعتين اعتبروا الفعلين والمشيئتين مظهراً طبيعياً. وأيضاً ديونيسيوس الإسكندري (مين 10: 1597 و1599) أثناسيوس (الرسالة الشهيرة إلى أبيكتتوس، مين 26: 1065 وأيضاً مين 25: 492 و26: 8047)، إيلاريون بوضح تام (في الثالوث 3: 6) ويعالج غريغوريوس النيسسي اتحاد الطبيعتين وموضوع طبيعة المسيح البشرية ذات المشيئة الحرة (مين 45: 1136)، أمبروسيوس في الإيمان المسيحي (704: 53 و58). توضحت الأمور في القرنين السادس والسابع أكثر فأكثر. ولاونديوس البيزنطي (مين 86، 1: 1320 و2: 1932) ويوحنا سكيتوبولوس (ص 85 ومايليها من طبعة ديكاب) أفرام الأنطاكي (مين 86، 2: 2105) وأفستاثيوس الراهب (مين 86: 909). راجع رسالتي أغاثون ومجمعه في مانسي (11) أو لابه 6.
(38) مجموعة التشريع، ص 514-515.
(39) لا بد لنا هنا قبل الانتهاء من عرض هذا المجمع أن نذكر: في هذا المجمع قد تم إدانة بابا رومية بالهرطقة. وهذا ينفي عصمة البابا أو كونه أعلى من المجمع. للمزيد راجع “المجمع المسكوني السادس – مجمع القسطنطينية الثالث“… (الشبكة)