Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

يتساءل القدّيس ثيودورس الاستوديتي (826-759) “هل يسعنا أن نتوق الى أكثر من أب حقيقي، الى أب بالله؟” فهذه العلاقة الشخصية بين الأب الروحي – “يروندا” باليونانية و”ستاريتز” بالسلافية – وابنه بالله في جوهر الشرق المسيحي.

ثمة نوعان من التسلسل الرسولي في حياة الكنيسة. يأتي التسلسل المنظور للهيراركيّة في المقام الأوّل، وهي سلالة الأساقفة غير المنقطعة في مختلف المدن والتي أشار إليها القد (2). ايريناوس في نهاية القرن الثاني. ومن ثُمّ يأتي تسلسل الآباء والأمّهات الروحيّين الرسولي في كلّ طور من أطوار الكنيسة، وهو موازٍ للتسلسل الأوّل إنّما بطريقة خفيّة بالمعنى الواسع للكلمة وله طابع مواهبي أكثر منه رسميّ: سلالة القديسين التي تمتدّ منذ عهد الرسول وحتى أيامنا وهي التي كان القدّيس سمعان اللاهوتي الجديد يدعوها “السلسلة الذهبيّة”. ويتداخل هذان النوعان من التسلسل إذ بإمكان الأسقف أن يكون أبًا روحيًا وقدّيسًا على حدّ سواء. تمركز النوع الأوّل بشكل رئيسي في المدن البطريركيّة والأسقفيّة على غرار روما، والقسطنطينيّة، والاسكندريّة، وموسكو، أو كانتروبوري. تختلف تسلسلات النوع الثاني من جيل إلى جيل، ولكنّها نمت بصورة عامة في مناسك نائية، في الصحراء أو البرية: “نطرون وإسقيط” في نهاية القرن الرابع، غزّة في بداية القرن السادس، ساروف وأوبتينو وجزيرة سبروس (ألاسكا) في القرن التاسع عشر. وهذان النوعان من التسلسل هما أساسيّان من أجل انتظام عمل جسد المسيح؛ وفي تفاعلهما كمال حياة الكنيسة على الأرض.

تمّ التلميح إلى مهمّة الأب الروحي في العهد الجديد: “لأنه كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون؛ لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل” (1 كور 4 : 15)(3). يشير القدّيس بولس الى التمييز بين “المرشد” أو “المربّي” بالمعنى الواسع للكلمة و”الأب”: لدى الكورنثيين الكثير من “المرشدين”، ولكن ليس لهم سوى أب واحد، وهو وحده الذي “أحياهم” في حياة يسوع المسيح الجديدة، فهو بذلك الذي يملك دون سواه الحقّ أن يقول: “أنا ولدتكم”.

وما من ريب في أنّه لا يمكننا الخلط بين مهمّة القدّيس بولس ومهمّة الشيخ في الروحانيّة الشرقيّة: فقد كان القدّيس بولس مبشّرًا بالكلمة ومرسَلاً جوالاً للنفوس عاملاً في وسط رهباني. يبقى أن نشير الى تشابهات بيّنة بين القدّيس بولس والشيخ الراهب. فالقديس بولس يولي مسؤوليّة ثابتة تجاه الذين “ولدهم” أو “درّبهم” على الحياة المسيحيّة، ويجد نفسه معنيًا مباشرة بالحروب التي كانوا سيتكبّدونها لا محال. وقد كتب الى أهل غلاطية، وذلك بالانتقال من صورة أبويّة الى صورة والديّة: “يا أولادي الذين أتمخّض بكم أيضًا الى أن يتصوّر المسيح فيكم” (غلا 4 : 19). وكما نرى، لا تتوقّف مسؤولية القدّيس بولس عند تحوّلهم الأوّل، بل يداوم السهر عليهم والتألّم عنهم بمثابة أبٍ طوال عملية نموّهم التي فيها يتشكّل المسيح داخلهم. وهو لا يكتفي بالتبشير بالكلمة بل يحمل أثقالهم: “مَن يضعف وأنا لا أضعف. مَن يعثر وأنا لا أعثر” (2 كور 11 : 29). انه يساعد أولاده في المسيح سيّما وأنه يرغب في أن يشاركهم حياته وأن يماثل حياتهم بحياته الخاصة.

وهذا ما ينطبق أيضًا على الأب الروحي في عصور أخرى لاحقة. وما نصّه دوستويفسكي عن الستارتز يمكن أن يتطابق بالكلّية مع مهمّة القدّيس بولس: فالرسول، كحال الشيخ، هو الذي “يجذب روحَ الآخرين وارادتهم في روحه وارادته”(4). وثمّة اشارة أخرى الى مهمّة الشيخ حيال أبنائه الروحيين في الاسكندريّة خلال القرنين الثاني والثالث. ان دور، المعلّم، كما وصفه القدّيسان بنثينوس وكليمنضس، مع أورجنّس، لم يكن يقتصر على التوجيه بالمعنى الأكاديمي للكلمة، وعلى تسليم بسيط للوقائع. كما كان المعلّم مرشدًا روحيًا لأبنائه، ومثالاً حيًا يُحتذى؛ لم يكن يمدّهم بالمعلومات وحسب، بل يُشركهم في علاقة شخصيّة على كلّ الأصعدة. لقد شكّلت حياة أورجنّس النسكيّة وصلاته جزءًا لا يتجزّأ من رسالته التعليميّة. وانّه لمن اللافت أن القدّيس كليمنضس قد استهلّ كتاب “الستروماتوس” بارساء مقارنة بين علاقة المعلّم بتلميذه وعلاقة الوالد بولده؛ وهو يذكر أنه ثمّة معلّمين للديانة في الاسكندريّة كانوا يُدعَون “آباء”.

من هنا تبرز أهمية الأوجه المتقاربة مع الفلسفة الكلاسيكيّة واليهوديّة الرابينيّة(5). فشخصيّة الشيخ أو الأب الروحي، التي صوّرها القدّيس بولس وأورجنّس الى حدّ ما، تحتلّ مكانة مرموقة في الحياة الرهبانية الشرقيّة منذ القرن الرابع. ويقدّم “مؤسّس” الرهبنة المصريّة، القدّيس أنطونيوس (251-356) ذاته نموذجًا وقاعدة للأجيال اللاحقة؛ وكذلك سيرة القدّيس أثناسيوس(6) أو قصص بلاّديوس(7)، حول علاقته بأفلوجيوس وبولس البسيط يشكّلون نموذجًا وافيًا عن حياة الشيخ الحقيقي وأعماله؛كما أن الأقوال المنسوبة الى القدّيس أنطونيوس والواردة في مُستهلّ “الأبوفتيغمس” تشير الى طابع الأبوة الروحية الأساسي:

“أعرف رهبانًا سقطوا بعد أن تكبّدوا الكثير من الأحزان وبلغوا كبرياء النفس اذ وضعوا رجاءهم على أعمالهم غافلين وصية من قال: “سَل أباك وهو يعلّمك”. على الراهب أن يكشف قدر الامكان للشيوخ عدد الخطوات التي يسيرها وعدد قطرات الماء التي يشربها في قلّايته ليعلم ما اذا لم يكن على خطأ في ما يقوم به(8)“.

وان لم يكن كتاب “الأبوفتيغمس” (9) يشرح ماهية الشيخ شرحًا مجرّدًا، انّما يبقى المصدرَ الأوحد والأهمّ في الشرق المسيحي. وتأتي مراسلات الأبوين الروحيَّين برصنوفيوس ويوحنا الذين من غزّة لتؤكّد الانطباع الذي خلّفه كتاب ال”أبوفتيغمس” بشكل أشدّ وقعًا وأهمية. فقد وردتنا الأسئلة التي طُرحت عليهما مع الأجوبة عليها بتفصيل كامل(10).

لقد حافظ تقليد الأبوّة أو الأمومة الروحيّة – لأن النساء يمارسن بدورهنّ هذه المهمّة(11) – على مجمل أهميتها خلال العصر البيزنطي، ومن بيزنطيا امتدّت الى العالم الأرثوذكسي السلافي. نورد من جملة الأمثلة الكثيرة النصح التالي: “توجيه من أب لابنه” الذي ورد في نصّ من روسيا الكييفيّة والذي يعود تحديدًا الى القرن الحادي عشر:

“أودّ اطلاعك يا بُنَيّ على ملاجئ حقيقيّة: الأديار، وبيوت القدّيسين. إلجأ اليهم وهم يعزّونك، اطرح أحزانك عند أقدامهم فتتشدّد. انهم أبناء اللاهوى ويعلمون كيف يخفّفون عنك، أنت الذي تتمرّغ في الحزن (…). ابحث في المدينة التي تعيش فيها أو في المدن المجاورة عن رجل يخاف الله واخدمه بكلّ ما أوتيت من قوّة. وحالما تجد هذا الرجل لن يمسّك الأذى ثانية؛ لأنك بذلك تكون قد عثرتَ على مفتاح ملكوت السموات. أَلزم جسدك وروحك بما يقوله ويعمله، راقب حياته، كيف يسير، وكيف يجلس، وكيف ينظر، وكيف يأكل، وتفحّص عوائده جميعها. ولا تنسى يا بُنيّ أن تحفظ أقواله دون أن تُهمل واحدة منها؛ لأن أقوال القدّيسين أغلى من الجواهر”.

ما يشدّنا في هذا المقطع هو أن الستاريتز يصون تلميذه ليس بتقديم النصائح فحسب، بل بإعطائه نموذجًا يُحتذى في كلّ مرافق العمر: “راقب حياته، كيف يسير، وكيف يجلس، وكيف ينظر، وكيف يأكل”. فما يطرحه، كما هو الحال عند أوريجنّس في الاسكندريّة، ليس توجيهًا بقدر ما هو علاقة شخصيّة.

لا تقلّ العلاقة الشخصيّة في الأرثوذكسيّة اليوم شأنًا عمّا كانت عليه سابقًا. فالأبوّة الروحية، المتمثّلة خصوصًا بالقدّيس سيرافيم ساروف وشيوخ أوبتينو، هي المدخل الحقيقي لحياة الكنيسة في روسيا في القرن التاسع عشر. وهي أيضًا السبب الأساس في انبعاث الرهبنة اليونانيّة غير المرتقبة في جبل آثوس في الأعوام العشرين الأخيرة. وتكمن هذه النهضة تحديدًا في وجود شيوخ قادرين على اعطاء التوجيه المواهبي ذاته الذي كان يهبه القدّيس أنطونيوس في مصر في القرن الرابع. والأديار التي تجذب الرهبان اليوم في أثينا هي التي يسكنها مدبّر أو راهب ما يضطلع هو أيضًا بدور أب حقيقي بالروح.

يبيّن كتاب ال”أبوفتيغمس” وسائر النصوص – لاسيما سِيَر القديسين – بأجلى بيان كيف يطبّق الأب الروحي عمليًّا مهمّته. بيد أنه من الأيسر العثور في المصادر الآبائيّة على تحليل ما يشكّل في المطلق كنه الأبوّة الروحية. وتلقى هذه المسألة شرحًا مميّزًا في نصَّين: رساالة الى راعٍ (12) للقدّيس يوحنا السلّمي (579-649)، مدبّر سيناء، التي تعتبر أحيانًا الدرجة الواحدة والثلاثين من السلّم المقدّسة، ورسالة في الاعتراف، وهي الرسالة الأولى للقدّيس سمعان اللاهوتي الجديد (949-1022)، مدبّر دير القدّيس ماما في القسطنطينيّة. وتأييدًا لهاتين الرسالتين، كان للمؤلّفين أيضًا اشارات جمّة الى الأبوّة الروحيّة في مؤلّفات أخرى.

ان أوجه الشبه بين هذين النصّين هي مذهلة للغاية لدرجة أنها تُقصي أيّ تطابق. وعلمًا أن القدّيس سمعان، ووفقًا لنهجه المعتاد، لم يأت على ذكر أيّ أب متقدّم في رسالته في الاعتراف، الّا أنه من المستبعد أنه لم يُشِرْ مباشرة الى القدّيس يوحنا السلّمي اذ انه كان عالمًا بلا ريب بسلّمه المقدّسة (13). انه لمن الناجع التدقيق في الأوجه المتقاربة بين نصّي رسالة الى راع للقدّيس يوحنا السلّمي وفي الاعتراف للقديس سمعان خاصّة وأن ما من أحد، دون أن نجزم الأمر، قد أقدم بعد على القيام بذلك بطريقة منهجية. وما يدعو الى الدهش هو أن ف. خ. خريستوفوريدس(14) قد تجنّب هذه المقاربة في دراسته الكافية والوافية لتعليمات القدّيس سمعان حول الأبوة الروحيّة.

ولم يقدّم أيّ من القديسين يوحنا السلمي وسمعان قائمة منهجيّة بمعايير الأب الروحي في صدد التعريف عنه، بل ركّزا على خمسة معايير جوهريّة: هي طبيب، ومرشد، وشفيع، ووسيط، وعرّاب.

طبيب  Médecin:

هذا هو “المثال” الغالب للأب الروحي عند القديسين يوحنا السلّمي وسمعان، وحتى في الأدب المسيحي الشرقي منذ القرن الرابع. ها هو القدّيس أثناسيوس يصف القدّيس أنطونيوس على أنه “طبيب وهبة الله لمصر”؛ وكذلك القديسين غريغوريوس النزينزي ويوحنا الذهبي الفم يستخدمان الأسلوب عينه ليتحدّثا عن عمل الكاهن أو الأسقف الرعائي. ويحكم المجمع المدعوّ ترولو (691) على الخاطئ كما على “رجل مريض”. فحال الخطيئة اذًا هي حالة “مرضيّة” والمعرّف هو الذي يناول “الدواء” لشفاء “المرض”.

يستخدم القدّيسان يوحنا السلّمي وسمعان المقاربة ذاتها. ويبلور القديس يوحنا السلّمي في رسالة الى راع هذه المقاربة الطّبية مطوّلاً. وفيها يتمثّل الأب الروحي ب”طبيب” يداوي الرجل المريض مستخدمًا “اللزقات، والجرعات، والمساحيق، والقطرات، والاسفنج، والمشارط، والمكاوي، والمراهم، والمنوّمات، والمباضِع، والضّمادات، وأدوية مضادّة للغثيان(15)“. وما “التأنيب” الذي يفرضه هو بمثابة عقاب بل دواء، كيّ، يقضي به “بتحنّن كي يساعده على التوبة”. لا يسع الأب الروحي أن يساعد المريض الاّ اذا كان هذا الأخير صريحًا بالكلية، اذا كان قد كشف له جرحه بثقة تامّة”(16) .

وكذا القدّيس سمعان يستخدم الأسلوب الطبي نفسه. فهو يدعو في رسالته في الاعتراف قائلاً: “جِد طبيبًا ممتلئًا تحنّنًا ورحمة… فلنلجأ لتوّنا الى الطبيب الروحي”. أن نعترف بخطايانا يعني أن نبصق السُّم الذي يعترينا، والتوبيخات التي يصفها المعرّف هي، بحسب القدّيس يوحنا السلمي، ليست عقابًا بل دواء مضادًّا للسُّم.

تجدر الاشارة الى أنّ القديسَين يوحنا السلّمي وسمعان – وفي الواقع التقليد المسيحي الشرقي عامّة – لا يعتبران المعرّف أو الأب الروحي أنه أوّلاً قاضٍ يحاكم ويقاصص. بل على العكس، هو “طبيب الأرواح”، وشاف أو طبيب روحي، كما كانوا يدعونه في انجلترا في القرون الوسطى. وممّا لا شكّ فيه أن القديس سمعان عقّب على سلطان الحلّ والربط لدى الأب الروحي، ممّا قد يوحي بنوعٍ من سلطة قضائيّة؛ ولكن هذا الطابع لا يشكّل قطعاً المثال الطاغي كما أنّه يغيب جزئيًّا عند القدّيس يوحنا السلّمي. وبالنسبة الى كليهما، ما يشكّل لبّ الموضوع ليس قانونيًا بل علاجيًّا؛ ذلك أنّ الاعتراف هو مستشفى أكثر منه محكمة، والتوبيخ ليس بقصاص على قدر ما هو منشّط يساعد المريض على استعادة عافيته.

وعلاوة على ذلك، لا يكشف الابن الروحي لأبيه مجرّد خطاياه، بل يتعدّاه أيضًا إلى إماطة اللثام عن أفكاره logismoi – حتى قبل أن تنتقل إلى حيّز التنفيذ – بما فيها أيضًا الأفكار السليمة والبريئة. لا تشمل عنايةُ الشيخ الطبّية التجاوزات فقط، بل حياة المريض الداخليّة بجملتها؛ وعليه فإنّ العلاج هو علاج احترازي أكثر من كونه علاجًا ذو مفعول رجعي.

مرشد Conseiller:

 حقيقة الأمر أن الأب الروحي، ودون أن يكون الأمر حكرًا عليه، يعالج ويداوي بكلماته وارشاداته الناصحة. ففي كتاب “الأبوفتيغمس”، غالبًا ما يطلب التلميذ أو الزائر من الشيخ: “قُل لي يا أبتِ كلمة” أو بأكثر تحديد: “قل لي كيف يمكن لي أن أخلص”. لكلمات الأب الروحي قوّة مخلِّصة ومُحيية. لذا يصف القديس يوحنا السلّمي الأب الروحي في رسالة الى راع على أنه “معلّم” يداوي من خلال كلمته. يستدرك القدّيس يوحنا أنه اذا كان الشيخ يعاني من نقص في الثقة بنفسه، فيجد نفسه عاجزًا عن الإدلاء بإرشادات مواجهةً، فليعمد عندئذ الى التعبير عنه كتابةً.

وها هو القدّيس سمعان يتكلّم بدوره عن المعرّف كأنّه عن “معلّم”، وعن “مرشد صالح يقدّم إرشاده الناصح كسُبُل مؤاتية للتوبة”. وكما أن الأب الروحي يعالج بكلماته، كذلك فهو يشفي بصمته، أي بمجرّد حضوره. عندما طلب القدّيس أنطونيوس المصري من راهب كان يقصده بتواتر لماذا لا ينبس ببنت شفة، (لا يسأله شيئًا) أجاب ذاك: “يكفيني يا أبت شيء واحد، وهو أن أراك(17)“. ويتحدّث القديس سمعان اللاهوتي الجديد عن أبيه الروحي – القدّيس سمعان الاستوديتي أو “التقي” – الذي كان يقضي النهار كلّه بمعيّة تلاميذه، والذي “كان يساعد كثرةً منهم بمجرّد حضوره”. ومع هذا يحذّر القديس يوحنا السلمي الشيخ من خطر المضيّ في الصمت: لان من واجبه الكلام أيضًا.

شفيع Intercesseur:

لا يشفي الأب الروحي بكلماته وارشاداته فحسب، بل يعتمد أيضًا وبالأكثر على صلواته. ففي “الأبوفتيغمس” يُذكَر أنه عوض أن يقول الزائر للرجل القديس بكلّ بساطة: “قُل لي كلمة” يقول: “صلّ لأجلي”. أَذكُرُ زيارة قام بها أحد أصدقائي، وهو أميركي، لشيخ من جبل آثوس. وفي نهاية الحديث، طلب منه صديقي: “أبإمكاني أن أراسلك من وقت الى آخر لكيما ألتمس منك النّصح؟”. أجاب الراهب: “كلاّ، لا تراسلني إنّما سأصلّي لأجلك”. فشعر الأميركيّ بأنّه يصدّه بإجابته، ورحل مكتئبًا. ولاحقًا قال له أحد الرهبان الذي طرق الحديث مسمعَه: “يجدر بك أن تتطاير فرحًا لأن الشيخ وعد بالصلاة لأجلك، وهو لا يقول هذا لأيّ أحد. فإرشاداته حسنة، ولكنّ صلواته أكثر نفعًا”. تُشكّل صلاة الشفاعة التي يصلّيها الأب الروحي لأجل أبنائه موضوعًا أساسيًّا ومتكرّرًا في محادثات برصنوفيوس ويوحنا: “ليلاً ونهارًا إلى الله من أجلك على الدوام”.

يؤكّد القدّيس يوحنا السلّمي، وبكل أمانة لتقليد غزّة، في صدد تعريفه الأوّل لكلمة “الراعي”: “الراعي الحقيقي هو ذاك القادر، بصلاحه وغيرته وصلاته، أن يبحث عن الخراف العاقلة الضالّة وأن يضعها في الصراط المستقيم. ويتابع القدّيس يوحنا السلّمي قوله: خوذةُ خلاص الراهب هي صلاة رئيسه فهي التي تحميه”. والراهب المطيع، حتى وإن أحيى الموتى، يظنّ أنّ شفاعة أبيه الروحي هي التي أتاحت له القيام بذلك.

وهنا أيضًا يتّفق القدّيسان سمعان ويوحنا السلّمي اتّفاقًا تامًا. فيقول الأوّل إن وظيفة الأب الروحي هي أن ينال أبناؤه حظوةً أمام الله “بوساطة صلاته وشفاعته”؛ فهو إذًا “شفيع”. وإذ كان القدّيس سمعان اللاهوتي الحديث يقوم بزيارة شيخه القدّيس سمعان الاستوديتي، سلّم عليه قائلاً: “صلِّ لأجلي… حتى إنني بوساطتك ألتمس رحمة”. ولقد أكّد القدّيس سمعان الشاب، في معرض وصفه لمعاينته الأولى للنور الإلهي، أنه رأى صورة أبيه الروحي مرتعية بمحاذاة النور غير المخلوق. فتنبّه للحال “إلى أيّة درجة كانت شفاعة ذلك الرجل القديس تعينه(18). تستمرّ شفاعة الأب الروحي حتى بعد الموت. ولكن العلاقة هي تبادليّة لأن الأب الروحي يحتاج بدوره إلى صلوات أبنائه.

وسيط Médiateur:

يتبحّر القدّيسان يوحنا السلمي وسمعان في مهمّة شفاعة الأب الروحي إلى حدّ وصفه ب”متوسّط” أو “وسيط”: فهو لا يكتفي بالصلاة من أجل أبنائه بل يعمد، بشفاعته، الى مصالحتهم مع الله. وفي مستهلّ السلم المقدّسة، يقارن القدّيس يوحنا السلمي الأبَ الروحي بموسى جديد يتوسّط أمام الله من أجلنا ضدّ عماليق غير المنظور (أنظر خر 17 : 1-13): “نحن الذين نرغب جميعنا بالخروج من مصر والنجاة من قبضة فرعون والفرار، نحتاج لا مُحال لموسى آخر يتوسّط لنا أمام الله. وإن كان أقلّ شأنًا من الله، محتلاً المكان الوسط بين العمل والتأمّل، فهو يبسط يديه الى الله حتّى أنّنا، اذا ما سلكنا تحت طاعته، يمكننا عبور بحر الخطايا وإقصاءُ عماليقِ الأهواء”.

ويصفه القدّيس يوحنا السلمي بدقّة على أنه “وسيط بين الله وبيننا، علمًا أنه في رتبة أدنى من الله”، أو “بعد الله”. ولا يغيب عن ذهننا أنه لا يوجد، فعليًا، سوى وسيط واحد بين الله والناس، يسوع المسيح الإله – الإنسان (أنظر 1 تيمو 2 : 5) وهكذا تأتي وساطة الأب الروحي بعد وساطة المسيح وتتعلّق بها. وهو يبلور فكرة الوساطة في رسالة الى راع. ف”الشيخ” أو الأب الروحي هو صديق الله إذ بإمكانه الولوج ساعة يشاء إلى داخل الحضرة الملكيّة والمحاماة عن الآخرين بقوة وشجاعة: “أولئك الذين عاينوا وجهَ الملك وكسبوا صداقته قد غدوا قادرين على مصالحته مع موظّفيه أو حتى مع غرباء وأعداء إن شاؤوا، وعلى منحهم التمتّع بمجده؛ هكذا الحال، على ما أعتقد، بالنسبة إلى القدّيسين”. من هنا يستخلص القدّيس يوحنا السلمي الفكرة المُرعبة أن الخطيئة المُرتكبة بحق الأب الروحي لهي أعظم من تلك التي تُرتَكَب بحق الله: “لا تنذهل مما سأقوله، لأني أستند على سلطة موسى: يحسُن أن تخطئ بحق الله عن أن تخطئ بحق أبيك. وحقيقة الأمر أننا اذا أغضبنا الله يُمكن لمعلّمنا أن يصالحنا معه؛ أما إذا غضب المعلّم منّا، فما من أحد بعدُ ليتوسط من أجلنا. ولكن يبدو لي أن الحالتين متشابهتان”.

تسير وساطة الأب الروحي في مسارَين: باتجاه الله، ممثّلاً أبناءه بشفاعته أمام العرش السماوي؛ وباتّجاه الإنسان، ممثّلاً الله أمام أبنائه بحيث توازي ارشاداته الكلام الإلهي. وعلى حسب قول راهب اسكندري للقدّيس يوحنا السلمي أثناء زيارته لمصر: “كنت أنظر إلى معلّمي كأنني إلى أيقونة المسيح؛ لذا ما كنت أفتكر أنني ألقى أمرًا منه، بل من الله”.

وبما أن الأب الروحي هو الذي يُتيح الولوج إلى داخل الحضرة الملكيّة، وهو ذاك الذي يتسنّى له أن يعرّف أُناسًا آخرين إلى الملك الكبير، لا يجدر بأيّ إنسان أن يضطلع بمهمّة الشيخ إلاّ إذا كان قد حظي بخبرة شخصيّة مع الله. وهنا تكمن حقيقة خاصّية الأب الروحي الأساسيّة والجوهريّة: وحي مباشر من الروح القدس. قال الأنبا موسى في “الأبوفتيغمس”: “صدّقني يا زخريا بُنَيّ أني رأيتُ الروح القدس نازلاً عليك، وهذا ما أرغمني على سؤالك”.

يستخدم القدّيس سيرافيم ساروف (1759-1833) كلمات مشابهةً مشدّدًا على أهمية أن يكون الستاريتز قد اقتنى خبرة مباشرة مع الروح القدس. وذلك ليغدو، على حدّ قوله، شفّافًا: “لا أعطي سوى ما يقوله لي الله لأعطيه. أنا أعتقد أن الكلمة الأولى التي تراودني هي موصى بها من الروح القدس… الله يوجّه كلماتي. وإن كنت أجيب من خلال حكمي الخاص –  إذ بإمكاننا أن نضيف بالأولى جوابًا مجرّدًا منسوخًا في الكتب – فإنّني في ذلك أقترف خطأً”.

وكذلك الحال بالنسبة الى برصنوفيوس. فحين يُلتمس من الأب نصحٌ ما، يصلّي الأب الروحي في باطنه: “يا سيّد، أعهِد إليّ بكلّ ما تبغيه أنت لخلاص هذه النفس حتى أقوله أنا فتتمّ بذلك أقوالك وليس أقوالي. والأهمية التي للخبرة المباشرة الشخصيّة هي تحديدًا ما يشير إليه القدّيس السلمي في بداية رسالة إلى راع، “المعلّم الحقيقي هو الذي يحمل في داخله كتابَ المعرفة الروحي المخطوط بإصبع الله، أي بالفعل والاستنارة التي تخرج منه والتي لا تحتاج بعد الى أيّ كتاب. انه لمن العار على المعلّمين أن يكون تعليمهم نسخًا عن الآخرين، كحال الرسّامين الذين يكتفون بإعادة إحياء لوحات قديمة(19)“.

يستحيل على الأب الروحي أن يكون “مُستعمَلاً” أو “مستهلكًا”. إذ عليه أن يقول ما يراه ويشعر به هو نفسه. فإذا أراد أحد أن يكون أداة مصالحة مع الآخرين، عليه أوّلاً “أن يتصالح هو مع الله”. يُؤيّد القدّيسُ سمعان القدّيسَ يوحنا السلمي كلّيًا في هذا كلّه. فإذ يذكر الرسالة الى العبرانيين (5 : 1-3)، يعطي الأب الروحي لقب رئيس كهنة معتبرًا اياه وسيطًا يقدّم الخاطئ أمام حضرة الله: “إذا ما ابتغى إنسان ما استيفاء ديونه، يبحث عن وسيط واستنجاد لأنه غير قادر على المضيّ وحده بلا خجل بسبب الخطايا الكثيرة التي تعيبه وتكبّله. فيسعى حتمًا بحثًا عن وسيط وصديق لله، قادر أن يعيده إلى حالته السالفة وأن يصالحه مع الله الآب… وما من طريقة أُخرى للمصالحة مع الله سوى بوساطة رجل قدّيس، صديق وخادم للمسيح، وعبر الفرار من الشر. وبكونه وسيطًا في حضرة الله المباشرة، يحظى لنا، بصلاته وشفاعته أمام الله، بالألوهة المجانية”.

وهنا أيضًا، يكون الأب الروحي، كما عند القدّيس السلمي، صديقَ الملك الذي يمكنه أن يربح للآخرين الحظوة الملكية. ويضيف القدّيس سمعان إن مثل هذا الرجل يندر وجوده. وعلى غرار القدّيس يوحنا السلمي الذي يؤكّد أن الأب الروحي ليس وسيطًا إلا بمرتبة ثانوية، “بعد الله”، يعلّم القديس سمعان أن المسيح هو “الوسيط الأول والعرّاب الأول لطبيعتنا ليقدّمها لإلهه وأبيه الخاص”. لقد عهد سيّدنا بمهمّة “الوساطة والرعاية” للرسل الذين نقلوها بدورهم لآخرين، ولكن يبقى المسيح هو المصدر الوحيد.

ونقع مرّة ثانية على تطابق مع القديس يوحنا السلمي الذي يرى أن الوساطة تعمل باتّجاهَين: لا يمثّلنا الأب الروحي أمام الله فحسب، بل يمثّل الله أيضًا أمامنا. فهو أيقونة حيّة للمسيح، وعلينا أن نتقبّل نصحه كما لو كان آتيًا مباشرة من السيد: “عليك أن تنظر إليه وتخاطبه وتكرّمه وتتعلّم منه ما هو مفيد لك، كأنه المسيح بشخصه. مَن اكتسب إيمانًا ظاهرًا بأبيه بحسب الله، يظنّ أنه يرى المسيح حين يرنو إليه، وعندما يكون حاضرًا معه أو متعقّبًا إياه، يؤمن يقينًا أنه في حضرة المسيح أو في عُقبته”.

يتّفق القدّيسان سمعان ويوحنا السلمي أنه بناءً على فكرة الوساطة هذه، يستحيل على أيّ إنسان أن يسلك سلوك الوسيط ما لم يكن نفسه صديقَ الملك؛ لا يمكن لأحد أن يكون أبًا روحيًا حقيقيًا ما لم يكتسب، بطريقة مباشرة وحسّية، خبرةً شخصيّة مع الروح القدس. وهذه الحاجة الى إدراك حسّي – مبنيّ على الخبرة – للروح القدس الموجود في داخلنا، لهو موضوع متكرّر في كلّ كتابات القدّيس سمعان:

لا تقولوا انه يستحيل الحصول على الروح القدس

لا تقولوا إنه بدونه يمكن الخلاص

لا تقولوا إنه بإمكاننا المشاركة في حياته ما لم نعرفه

لا تقولوا إنّ الله لا يُظهر ذاته للعالم

لا تقولوا إنّ بشرًا لا يستطيعون رؤيةَ النور الإلهي، ولا إنه يستحيل في الأزمنة الحاضرة

هذا ليس بمستحيل، يا أصدقاء،

إنه من الممكن جدًّا لو أردنا(20)

كتب القدّيس سمعان مؤلَّفًا خاصًّا هاجم فيه “أولئك الذين يعتقدون أنّهم يقتنون الروح القدس في ذواتهم دونما إدراك ولكنّهم لا يتحسّسون طاقته البتّة”. فبالنسبة إليه، لا يكفي أن نؤكّد: “أنا لبستُ المسيح والروح في المعمودية”، بل على كلّ واحد منّا أن يعترف بنعمة المعموديّة الموجودة أصلاً والعاملة في قلبه: “إذا كان أولئك الذين اعتمدوا بالمسيح قد لبسوا المسيح” (غلا 3 : 27)، فما هو هذا اللباس الذي “لبسوه”؟ ابن الله. فمَن لبس الله ألا يجدر به أن يكون مُدركًا بالروح وعالمًا لما قد لبسه؟ فالإنسان الذي يكون عاريَ الجسد يتحسّس شيئًا عندما يرتدي لباسه ويرى شبهًا له؛ أفلا يجدر بالنفس العارية أن تتحسّس حضورَ الله عندما تلبسه؟”. وإذا ما طبّقنا هذا التوجيهَ العام حول الخبرة الشخصيّة على الواقع الخاص للأب الروحي، يشير القدّيس سمعان إلى أنه ما من أحد قطّ يجرؤ على أن يأخذ على عاتقه هذه المهمة إلاً إذا كان قد “اقتنى نعمةَ الروح حسّيًا، وأصبح بذلك مُرشَدًا من الله”. وخبرة الروح القدس المباشرة تميّز مهمّة الأب الروحي وتلازمها: “لا تسعَوا إلى أن تكونوا وُسطاء للآخرين قبل أن تمتلئوا أنتم من الروح القدس، وقبل أن تختبر أرواحكم معرفة ملك الكل خبرةً حسّية”.

بدون هذه الخبرة الشخصيّة، لا نقوى على السلوك كوسطاء للآخرين، إذ نكون نحن أنفسنا بحاجة إلى من يتوسّط لنا.

وفيما يشدّد القديس سمعان على أهمية الخبرة الشخصيّة، لا يفصل البتّة اكتساب هذه الخبرة عن ممارسة الحياة المسيحيّة التي تشكّل حياة متكاملة، وفقًا لتعليمات الكتب المقدّسة. ولكان الذهلُ قد أصابه لو علم بنظريّة ألدوس Aldous Huxley التي تعتبر أن الإدراك المباشر للحقيقة المتعالية قد يُكتَسَب بمجرّد تعاطي المخدّرات. ولكنّه يرى خلافًا لذلك طريقةً وحيدة لاكتساب خبرة حسّية للروح القدس: ألا وهي ممارسة الفضائل، وكبحُ الأهواء التي تشقّ طريق اللاهوى، واللا انفعاليّة. ولا شكّ في أنّ القدّيس سمعان ينظر الى خبرة الروح ومعاينة النور الإلهي على أنهما هبةٌ مجانية وغيرُ مستحقّة من الله، وأنه من غير الممكن الحصول عليها بالجهد البشري، وهو لا ينفكّ يتأمّل في عدم استحقاقه لنيل هذه الهبة. إلاّ أنه يعتبر في الوقت ذاته أنه لا تصوّف بلا زهد، ولا معاينة بلا عمل. وكلّ ادّعاء ب”الخبرة”، إذا ما كانت منفصلة عن الاعتراف بالإيمان الصحيح وعن المضيّ في الحياة العاملة، ليس، في نظره، سوى خداع شيطاني.

ثمّ يجهد القديس سمعان بإظهار كلّ العواقب التي تنتج عن هذا الإصرار على الخبرة الشخصيّة. فالآباء، وحتى الأساقفة والبطاركة الذين تنقصهم خبرة الروح هذه، لا يملكون، بالنسبة إليه، أيَّ حقّ بالتصرّف كآباء روحيّين ولا أيّةَ مقدرة على منح الغفران، أي على الحلّ والربط. وفي المقابل، يمكن لرهبان علمانيّين لا ينتمون لأيّة درجة إكليريكيّة أن يعرّفوا بشكل تام وأن يمارسوا سلطانَ الحلّ والربط إذا ما تمتّعوا بهذه الخبرة الحسّية. وها هو يستشهد بأبيه الروحي، القدّيس سمعان الاستوديتي، الذي لم يكن مرسومًا.

لم يتكلّم القديس يوحنا السلمي عن هذا الموضوع ظاهريًّا، بيد أنه لم يحدّد ولم يُشِر إطلاقًا إلى أنه على الأب الروحي أن يكون كاهنًا. وما من إثبات يؤكّد أنه كان هو مرسومًا أم لا؛ ومع هذا فقد كان يمارس حتمًا مهمّةَ الأبوّة والإرشاد الروحيَّين.

تتناول رسالة القديس سمعان في الاعتراف بصفة خاصّة مسألةً متكرّرة في التاريخ الديني: ألا وهي علاقة الأب بالنّبي، وعلاقة التراتبيّة بالقدّيس، وعلاقة الكنيسة بصفتها “مؤسّسة” بالكنيسة بوصفها “حدثًا مواهبيًّا”. لقد شكّل العلمانيين في الحلّ والربط محورَ القوانين داخل الكنيسة قبل زمن القدّيس سمعان بكثير، لاسيّما في أفريقيا بين العامين 251-252، وذلك عقب الاضطهادات، حين ادّعى المعرَّفون امتلاكَ سلطان إصلاح المرتدّين(21) في حين كان القدّيس سبرينوس يؤكّد أن ذلك لا يُمكن أن يقرَّر أو يُنفَّذ إلاّ من قِبَل التراتبيّة.

والواقع أن القديس سمعان لم يستند على رأي هذا الأخير. بل يؤكّد شيئَين متلاحمَين، الأوّل إيجابي والثاني سلبي: الأوّل وهو أن الأشخاص الذين لا ينتمون إلى درجات كهنوتيّة – أو بالأحرى الرهبان غير المرسومين – يملكون سلطانَ الحلّ والربط شريطة أن يملكوا خبرةَ الروح القدس الحسّية. والثاني هو أن أشخاصًا مرسومين لا يملكون هذا السلطان إذ لا يملكون هذه الخبرة.

يقدّم تاريخ الرهبنة المسيحية الشرقيّة منذ القرن الرابع حتى الساعة أمثلةً متنوّعة تدعم التأكيد الأول. فالعديد من آباء الصحراء المصريّة بما فيها القدّيس أنطونيوس نفسه، لم يكونوا مرسومين؛ كذلك القدّيسان برصنوفيوس ويوحنا اللذان من غزّة، على حسب علمنا، لم يكونا من الآباء. وأحد أكثر شيوخ زماننا المعاصر لمعانًا في جبل آثوس، القديس سلوان (1866-1938) من دير القدّيس بندلايمون الروسي، كان راهبًا علمانيًّا؛ وكذلك الأمر بالنسبة للأب باييسيوس (1924-1994) الذي عاش على مقربة من دير ستافرونيكيتا ومن ثمّ في كَريس، فكان مُبجَّلاً ومعترَفًا به على أنه شيخ في الجبل المقدّس برمّته.

وتفسيرًا لهذه الممارسة بالاعتراف أمام علماني، انبرى كتاب معاصرون من الأرثوذكس وسواهم إلى التمييز أحيانًا بين الإرشاد الروحي بالمعنى العام للكلمة – أي كشف “الأفكار” – حيث يُمكن للمعرِّف أن يكون راهبًا علمانيًّا أو راهبة في الجماعات النسائيّة، وبين سرّ التوبة بالمعنى المحدّد للكلمة – أي حلّ الخطايا – الذي لا يُمارَس إلاّ من قِبَل كهنة. أمّا القدّيس سمعان فلا يقوم بهذا التمييز: “لقد كان الاعتراف، بالنسبة إليه، يشكّل وحدةً متكاملةً، وعملاً مواهبيًّا(22)“.

أمّا من يقبل النقاش فهو تأكيد القدّيس سمعان الثاني أو فرضيّته الثانية. لقد ذهب منطقه إلى حدّ ربط فعالية الأسرار بفعالية الخادم، إلى حدّ خطر التمثّل بالدوناتيه(23). ويسعنا القول إنّ القديس سمعان، في منظوره، أنه يتحدّث في رسالته في الاعتراف على وجه التخصيص رعائيًّا أكثر منه قانونيًّا، وبتعابير أخلاقيّة أكثر منها عقائديّة. فهو لا يُلقي خطابًا مجرّدًا حول فعالية الأسرار بقدر ما يأتي شخصيًّا على ذكر آباء الكنيسة وأساقفتها في ذلك الأوان. فيأمرهم بألاّ يتهافتوا على قبول مهمّة الأبوة الروحية إذ يُمكن ألاّ يكون الله  قد دعاكم إلى هذه الدعوة. وإن لم يتوانَ عن الإصرار على أنه “لا يسعكم أن تحلّوا وتربطوا” فإن ما ينبغي قوله فعلاً هو أنه “ما عليكم أن تمارسوا هذه المهمّة إلاّ إذا كان الروح قد دعاكم مباشرة”. لا يجب تفسير رسالته على أنها مباحثة منهجيّة حول العقيدة، بل على أنّها تنبيهٌ نبويّ.

تجدر الإشارة إلى أن القدّيس سمعان لم يتعرّض قطّ للرقابة أو الإدانة بسبب آرائه التي عبّر عنها في نصّه في الاعتراف. فحين اتّهمه مجمع القسطنطينيّة المقدّس وأدانه في المنفى عام 1009، كانت الاتهامات الموجّهة تتناول العبادة الليتورجيّة التي كان يقيمها بدون علم الكنيسة، باستثناء أبيه الروحي القدّيس سمعان الاسوديتي. وعلى أيّ حال، سرعان ما بطلت إدانة المجمع وتمّ إبراؤه. ويصحّ القول إنّ مسألة الاعتراف أمام رهبان علمانيين قد ظهرت بلا شكّ ضمنيًّا في الجدال مع سينسيل إيتين الذي كان يعتقد أنّ القدّيس سمعان كان يحدّ بشكل خطير من امتيازات رجال الدين. غير أنه فضّل، في محاكمته، أن لا يولي أهمية كبيرة لهذا الاتهام الخاص، معتبرًا ربّما أنه كان بإمكانه أن يُدان بالأحرى من أجل قضية العبادة الليتورجيّة؛ وبذلك لم تكن مسألة الاعتراف أمام علماني مطروحة على مصراعَيها. وإن لم يحظَ رأي القدّيس سمعان في رسالته “في الاعتراف”، بموافقة عدد كبير من الأرثوذكس، إلاّ أنه يُعدّ مقبولاً من وجهة نظر أرثوذكسيّة.

لنضع هذا الموضوع الجدليّ جانبًا ودعونا نتذكّر النقطةَ المحوريّة للأبوّة الروحية التي يريد القدّيس سمعان إطلاعنا عليها في هذا المضمار: الأب بالمسيح هو وسيط يصالح أبناءه مع الله.

عرّاب Parrain:

الأب الروحي هو شافٍ، ومعلّم، ورجل صلاة معًا وأكثر من ذلك أيضًا. إنه عرّاب، بحسب القديسَين يوحنا السلمي وسمعان، في نهاية المطاف. تشتقّ كلمة عرّاب من تعبير يوناني anadochos من فعل anadéchomai يعني التعهّد والضمان، وهي تُطلق على من يتحمّل مسؤوليةً أو يسهر على حماية الآخر والاستجابة لمستلزماته. كما تُطلق هذه الكلمة على المسيح بكونه مخلّص نفوسنا، وعلى القرابين في المعموديّة أو النذر الرهباني.

وهي أيضًا صفة تُطلق على الأب الروحي. فبكونه وسيطًا على شَبَه المسيح، لا يكتفي بالصلاة من أجل أبنائه، بل يحمل أيضًا ثقل أهوائهم وأخطائهم. إنه، بحسب التعبير البولسي، “حامل أثقال”: “احملوا بعضكم أثقالَ بعض وهكذا تمّموا ناموس المسيح” (غلا 6 : 2). تتكرّر فكرة الأثقال هذه في “الأبوفتيغمس”، ويقول الأنبا لوط لأخ لم يقدر أن يجد السلام في صحوه: “اعترف لي بخطيئتك وأنا سأحملها”. وثُبّت هذا الواقع خصّيصًا في مدرسة غزّة في القرن السادس. وعلى الأثر كتب القدّيس برصنوفيوس إلى أحد أبنائه الروحيين: “تشبّهًا بيسوع المسيح، مددت جانحيّ إليك حتى هذا اليوم، أحمل أثقالك وضلالاتك… فقد رأيت كلّ هذا وسترته كما يرى الله أخطاءنا ويسترها… ها أنذا أوصيك باسم الله لخلاصك؛ فإنْ خفظت وصيّتي، أُلقي على عاتقي إدانتك، ولا أُهملك لا في هذا العالم ولا في الآخرة، بنعمة المسيح… وقد أخذت عنك ثقلك، وحملك، ودَينك. وها أنت قد استعدت شبابك وبراءتك وطهارتك(24)“.

هنا أيضًا، كما في سائر الحالات، يُظهر أنبا سيناء أمانته لتقليد غزّة. ويستخدم القدّيس يوحنا السلمي عبارة عرّاب في أكثر من موقع في رسالة إلى راع مشيرًا إلى الأب الروحي. فيقول إن رسالة الشيخ هي “حمل ثقل التلميذ(25)“. ويضيف: “فليكُن أبوك ذاك الذي يقدر ويشاء التألم معك ليحمل ثقل خطاياك(26)“.

يبرز جليًّا تأثير الرسالة إلى أهل غلاطية (6 : 2). يعتقد القدّيس يوحنا السلمي، على غرار القدّيس برصنوفيوس، أن مهمة حمل الأثقال هذه تمتدّ إلى ما وراء هذه الحياة، إلى الحياة الخالدة. ففي ساعة الدينونة الأخيرة، يجيب الشيخ عن خطايا تلاميذه، وهكذا يمكن لأولئك أن يواجهوا المنون بلا خشية، “عالمين يقينًا أنه في لحظة الفراق، لن يؤدّوا هم الحساب بل مرشدهم”.

يترتّب على ذلك حتمًا، وإن لم يكن القديس يوحنا السلمي قد أشار إليه بوضوح، أنه على كلّ منّا أن يتوخّى الحذر قبل أن يتقبّل مهمّة الأب الروحي: وقد يكون من الأجدر بنا تقبّلها أفضل من الخشية منها!

وهكذا يمثّل الأب الروحي، بصفته وسيطًا يمثّل لنا المسيح، صورة أو أيقونة المسيح بخاصّة بكونه الراعي الصالح الذي حمل الخروف الضال على منكبيه وبذل حياته من أجل قطيعه. وفوق كلّ شيء، يُبدي الشيخ خاصيّةَ الحبّ الفدائي، بكونه “راعيًا حقيقيًّا” على صورة “الراعي الصالح”: “هوذا الحبّ الذي أظهره لك الراعي الحقيقي، إذ بدافع الحبّ ابتغى الراعي الكبير الصلبَ، وهي طريقة لتحمّل الآخرين، وهي الطريقة الفُضلى عالميًّا لأنها تقوم على بذل الروح من أجل روح القريب(27)“.

ليس بمقدور أحد أن يكون عرّابًا أو أبًا روحيًّا ما لم يحمل هذا الحمل ويضحّي بذاته. يقدّم القدّيس يوحنا السلمي نموذجًا حيًّا عن العرابة: حدث أن كان راهب مشوّشًا بأفكار خياليّة وتجديفيّة؛ وبالرغم من كلّ جهاداته في الصوم والسهر، لم يلقَ أية تعزية. وأخيرًا خطّ أفكاره على ورقة وأودعها ل”رجل قدّيس” بعد أن سجد أمامه دون أن يجرؤ على النظر إليه. ابتسم الشيخ لدى قراءته لما كتبه الراهب، فأنهضه وقال له: “ضع يدك على رقبتي يا بنيّ… ولتكن هذه الخطيئة على رقبتي… ومن الآن فصاعدًا، لا تخشَ شيئًا”. فتحرّر الراهب من أفكاره التجديفيّة وهو في الطريق.

تذكّرنا هذه القصّة بسيرة القدّيس يوانّس الكبير (754-846) الذي قال لراهبة شابة كانت مرتبكة في شهوات دنسة: “ضعي يدك على رقبتي يا بنيّتي… وبقوّة يسوع المسيح فلتقع عليّ التجربة التي ما زالت تُربكك”. فتحرّرت من التجربة وهي في طريق العودة. ولكن نشير هنا إلى أنه في هذه الحال كان القدّيس يوانّس قد أُصيب للحين، “كما برشقة سهام مبرّحة”، بفعل الأهواء التي أنهكت الراهبة.

ومرّة أخرى، يبرز الدرس واضحًا للعيان: “أسلوب المقايضة” أو “الحبّ البديل”، كما بتعبير شارل ويليز، يشكّلان مسألة جدّية؛ لا يجوز لأحد السلوك في هذه الطريق ما لم يكن قد أعدّ العدّة لبذل حياته الخاصّة من أجل قريبه. نجد في كتب طقوس الاعتراف القديمة هذه الحركة المُشار إليها في هاتين القصّتين، التي تقتضي بأن يضع التائب يدَه على رقبة الأب الروحي.

وكذا تتضمّن رسالة القدّيس سمعان في الاعتراف المصطلحات والأفكار ذاتها التي نقع عليها عند القديس يوحنا السلمي. فبالنسبة إلى القديس سمعان، الأب الروحي هو رجل الله يغدو عرّابًا فيأخذ على عاتقه الدَين المتوجّب على الآخر، ويتحمّل أخطاءه، ويجيب عنها باسمه، حتى وإن افترضنا أن هذا الإنسان سوف يتوب توبة صادقة. وما يميّز الأب الروحي بشكل أساسي هو التعاطف، sympatheia- Compassion sympathie كحال اللاهوى في بُعده الكامل نحو التألّم مع الآخر ومن أجله”. تنبع هذه الميزة من الوصف الذي يقدّمه القديس سمعان عن أبيه الروحي، القدّيس سمعان الاستوديتي: “لم يكن تعاطفه محدودًا”. فعبر التعاطف، يتسنّى للأب الروحي أن يجعل أفراح الآخرين وآلامهم بمثابة أفراحه وآلامه الخاصّة.

وهكذا يتّفق القديسان سمعان ويوحنا السلمي على أن الحبّ الفدائي المبنيّ على التعاطف هو ميزة أساسية للشيخ الحقيقي. ويرى القديس سمعان نفسه شديد التعلّق بأبنائه الروحيين، ويشعر بأنّ خلاصه الشخصي لا ينفصل عن خلاصهم. فكتب، مشيرًا إلى نفسه بالضمير الغائب (أنظر 2 كور 12 : 2): “رأيت إنسانًا كان يودّ بكل غَيرَة خلاصَ إخوته، حتى أنه كان غالبًا ما يسأل الله من كلّ جوارحه وبدموع مدرارة إما أن يخلّصهم معه، أو أن يدينه معهم، رافضًا الخلاص بمفرده رفضًا قاطعًا، متّخذًا موقفًا يماثل الله – وهو موقف موسى – إذ بفعل الاتّصال الروحي الذي يجمعهم برحمة الروح القدس المقدّسة، لم يُرد الولوج إلى ملكوت السموات (إن كان مؤهّلاً له) منفصلاً عنهم”.

رفع القدّيس برصنوفيوس الصلاة عينها: “يا معلّم، إمّا أن تُدخل أبنائي معي إلى ملكوتك، أو أن تمحيني من كتابك(28)“.

إذا كانت هذه هي الخصائص الموجبة للأب الروحي في دوره الخماسي من طبيب، إلى مرشد، إلى شفيع، إلى وسيط، إلى عرّاب، لا يسعنا سوى التساؤل مع القدّيس بولس: “من هو كُفؤ لهذه الأمور؟” ( كور 2 : 16). وتُجمع المصادر الرسوليّة على هذا الموضوع. يقول القدّيس غريغوريوس النزينزي إنه ليس ثمة أصعب من توجيه الآخر: فهو “فنّ الفنون وعلم العلوم”.

لا بدّ أن تكون الإجابة على هذا التساؤل بأنه لا يجدر بأي إنسان قبول مثل هذه المهمة دون أن يشعر بأنه مدعوّ ومدفوع بحبّه لقريبه. كما أنه ليس من واجبه أن يقوم بالخطوة الأولى؛ بل أن ينتظر نداءً خاصًّا من الله قد يتجلّى بطرق شتّى. أحيانًا، وكما كان يحدث مع شيوخ أوبتينو، حين كان الشيخ يختار قبل موته بقليل أحد أبنائه الروحيين خليفة له. وفي مرار كثيرة، كانت المبادرة تأتي من التلاميذ: قد يدنو بعض الأشخاص من معتزل أو ناسك بحثًا عن مرشد لهم. ففي مرحلة أولى، لا يجيب الأخير البتّة أو يسألهم التوجّه إلى مكان آخر للاسترشاد. ولكنّه في مرحلة أخيرة يحين الوقت أن يقبل دعوتهم للمساعدة كما لو كانت إشارة للإرادة الإلهيّة؛ فينثني عن ردّهم. يكون الأبناء الروحيّون في هذه الحال هم الذين وجّهوا الرسالة إلى الشيخ. وهذا ما حصل مثلاً مع القديس أنطونيوس المصري والقديس سيرافيم ساروف.

تلك كانت نقاط التقارب اللافتة بين القديسين يوحنا السلّمي وسمعان في تمييزهما للأبوّة الروحيّة. كما يوجد على السواء اختلافات من حيث التعبير: يستخدم القديس يوحنا السلّمي بصفة خاصة صورة الراعي والخروف، كما يفيد بذلك عنوان مؤلّفه. ونجد هذه الصورة عند القديس سمعان إنما ليس بهذا الوضوح. كما يتحدّث القديس يوحنا السلمي عن الشيخ بوصفه “مرشدًا”، و”متقدّمًا”؛ وهذه التعابير لا ترد مرارًا عند القديس سمعان، بل يستعمل هذا الأخير صورة الأب مع أبنائه، أو حتى صورة الأم التي تحبل بهم وتحملهم. كما يعتبر الأبَ الروحي رسولاً؛ ولا وجود لهذه الفكرة عند القديس يوحنا السلمي.

يوجد في المُطلق تواصل ملحوظ ومحدود بين هذين الكاتبَين، في التعبير كما في التفكير. وهذا ما يظهر تحديدًا في استخدام فئات “الطبيب”، و”الوسيط”، و”العرّاب”. وإنّما هذه العذوبة والحيويّة اللتان يكتب بهما القديس سمعان لا يجب أن تحجبا عن ذهننا أنه في رسالته في الاعتراف على وجه التحديد، لا يشهد بخبرته الخاصة فحسب، بل أيضًا بمُجمل التقليد الذي هو وريثٌ له.

 

المطران كاليستوس وير(1)
ترجمة سيلفا شكور 6 – 2005

نقلاً عن: نشرة رقم 25
8 تشرين الثاني 2005
دير مار ميخائيل
بقعاتا – نهر بسكنتا

 

 


(1) نشر هذا النص في مقدمة كتاب

 Spiritual Direction in the Early Christian East / Irénée Hausherr. Kalamazoo (Michigan): Cistercian Publication 1990 (Pp. vii-xxxiii).

(2) يرمز اختصار ” قد ” إلى كلمة قديس نظراً لكثرة ورودها في النص

(3) حول هذا النص، انظر كتاب

  La Paternité spirituelle selon Saint Paul / P. Gutierrez – Paris: 1968; et M. Saillard

 ” أنا الذي ولدتكم بالإنجيل في يسوع المسيح” في:

. – Recherches de science religieuse 56 ( 1968).pp5-41

دأب الكاتبان على الإثبات ان كلام القديس بولس لا يجب أن يُعتبر مجرّد استعارة أو ” صورة مؤثرة (Saillard ) بل ” واقعاً اونطولوجياً”

(4) Dostoievski, Les Frères Karamazov, 1, 5

(5) انظر  ” Talmud de Babylone, ” Sanhedrin” 19b  عندما يعلم إنسان ما التوراة لابن آخر، يعتبر الكتاب أنه ولده”

(6) كتب القد. اثناسيوس: ” وهكذا كان محبوباً من الجميع. كان كل واحد يريده أباً له”.

( Antoine Le Grand, père des moines/ Athanase. – Paris: Edition du Cerf, 1989. –(Foi Vivante; 240). – [ 81,p93]

(7) Histoire Lausiaque / Pallade d,Hélénopolis – Bégrolles-en-Mauges: Abbaye de Bellefontaine1999, – ( Spiritualité orientale; 75) – ( 21-22, pp 120-130).

(8) Paroles des anciens. Apophtègmes des Pères du desert / Jean Claude Guy. –Paris: Ed. du Seuil, 1976. (Points –Sagesse). –[Pp. 21-22]

(9) “أقوال الآباء الشيوخ Apophtègmes Paroles des anciens

(10) Correspondance / Barsanuphe et Jean de Gaza. –Sablé-sur-Sarthe: Abbaye de Solesmes, 1972. -548p

(11) تحوي مجموعة “الأبوفتيغمس” الأبجدية 127 أباً وثلاث أمهات, أو أمهات روحيات, ثيودورة, وسارة, وسينكليتيك حول لقب أم, أنظر في (“أقوال الأمهات”) Metérikon  ألف الراهب اسحق

Pallade D’HELENOPOLIS, 34 et 59, [Pp 149-151 et 205].

موازاة Patérikon  (“أقوال الآباء”). انظر

–Irénée Hausherr, ” Direction spirituelle en Orient autrefois”. في: Orientalia Christiana Analecta, 144 (1955), pp. 266-267

(12) Lettre au Pasteur ‘Jean Climaque. –Bégrolles-en-maugues: Abbaye de Bellefontaine, 1987. (Spiritualité orientale; 24). –[18]

(13) يذكر القد. سمعان بوضوح السلم المقدسة مرتين في تعاليمه

(14) He pneumatiki patrotes kata Symeon ton Neon Theologo, Thessalonique, 1977

(15) Lettre au Pasteur, 14.-[P.315]

(16) Ibid., 39 -[p.319]

(17) Jean-Claude Guy, op. cit. -[P.60]

(18) Bersanuphe et Jean de Gaza, Lettre 17. –[P.24]

(19) Lettre au Pasteur, 2. –[P.313]

(20) L’Echelle Sainte, 4,2. –[P.55]

(21) Catéchèses / Syméon le Nouveau Théologien. –Paris: Cerf, 1964. –(Sources chrétiennes; 104). –[II, 22, 105-106. P. 373]

(22) L’Echelle Sainte / Jean Climaque. –Bégrolles-en-Mauges: Abbaye de Bellefontaine, 1987. (Spiritualité orientale; 24). –[1, 18. P.36]

(23) Lettre au Pasteur. –[18. P.316]

(24) L’Echelle Sainte. –[4, 134. Pp.91-92]

(25) Ibid. –[4, 29. P.65]

(26) Jean-Claude Guy, op. cit. –[P.60]

(27) Barsanuphe et Jean de Gaza, Lettre 577. –[P.380]

(28) Lettre au Pasteur. –[5-6. Pp. 313-314]

(29) Catéchèses / Syméon le Nouveau Théologien. _Paris: Cerf, 1965. –(Sources chrétiennes; 113). –[III, 35, 251-255. P.327]

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى